من موضوعاتنا:

جمال عبد الناصر واستقلال السودان

سألنا في مقالنا أسئلة حول احتلال واستقلال السودان عن مصر ومحتليها أسئلة مهمة حول هذا الموضوع القديم المتجدد إثارة، وناقشنا في مقال الاحتلال التركي المصري للسودان حملات محمد علي على السودان وما ارتكبته من فظائع وجرائم، وكيف عاني
جمال عبد الناصر واستقلال السودان عن مصر وبريطانيا
جمال عبد الناصر واستقلال السودان عن مصر وبريطانيا
السودانيون من قسوة وظلم وجباية دولة محمد علي وورثته، ثم عرضنا مقالنا الاحتلال الإنجليزي المصري للسودان الذي جاء بالمصريين كخدم له، وجاء به المصريون كقوةٍ غاشمةٍ معهم، فصار الإنجليز يحتلون السودان بالمصريين، ووضحنا ملامح تلك الفترة وإدارة ذاك الاحتلال، ثم عرضنا في مقال السودان في طريق الاستقلال ملامح مرحلة ما قبل الاستقلال، وكيف تفاعل السودانيون والإنجليز والمصريون مع هذه القضية، وعرضنا نص القانونيين المصريين رقمي 176 و177 لسنة 1951 م الخاصين بالسودان، وسألنا وأجبنا عن: هل كان الملك فاروق ملكًا على مصر والسودان؟ ثم عرضنا نص اتفاقية " حق تقرير المصير للسودان" في 13 فبراير 1953 م، وختمنا بنص إعلان استقلال السودان في يناير 1956 م.
واليوم نناقش ما حدث في الشهور التالية لتوقيع اتفاقية حق تقرير المصير للسودان، ودور جمال عبد الناصر في هذه القضية، والذي حمله الكثيرون بجهل وحقد تاريخ معقد يجهلونه عن احتلال واستقلال السودان.

جمال عبد الناصر واستقلال السودان عن مصر وبريطانيا

1- لم تكونا مصر والسودان دولة واحدة ووطنًا واحدًا كالكوريتين، وسوريا ولبنان، والهند وباكستان... إنما احتل محمد علي السودان بإجرام، وأدارها ورثته بقسوة واحتقار، وقد ذكرنا أن ابنه إسماعيل قد قُتل في تلك الحملات.
2- عاني السودانيون كثيرًا من حملات محمد علي وورثته، وملوا وقاسوا من دولة أسرة محمد علي وموظفيها وخدمها وقواديها.
3- تطلع السودانيون كثيرًا إلى الاستقلال، وسعوا إليه، وانتفضوا ضده، حتى قيام الثورة المهدية التي حررت السودان والسودانيين، بل دخل الثوار المهديون مصر لكن نجح الإنجليز ومن معهم من المصريين في هزيمة المهديين.
4- رجع الاحتلال إلى السودان إنجليزيا مع مكسبات طعم مصرية، وقد عرفنا أن الاحتلال ارتكب الفظائع في سبيل سيطرته على السودان، وتحطيم مقاومة أبطاله.
دور محمد نجيب في استقلال السودان، جمال عبد الناصر واستقلال السودان.
5- قبل مولد جمال عبد الناصر ب 19 سنة تم توقيع اتفاقية الحكم الثنائي بين بريطانيا ومصر، وكان من ضمن نصوصها وضع كحدود سياسية بين مصر والسودان، والحد السياسي لا يوضع سوى بين الدول والأقاليم ذات الاستقلال الذاتي، ولا يوضع داخل الوطن الواحد والدولة الواحدة، وقد تم في نفس الاتفاقية وضع سلطات السودان في يد الحاكم العام، والذي كان يُشترط أن يكون إنجليزيّا، وكانت في يده كل السلطات، ومع وجدو المصريين في الإدارة سوى كمشاركة شكلية، وتحليلًا للاحتلال.
6- لم تنقطع انتفاضات السودانيين ضد الاحتلال وأملهم في الاستقلال، ذاك الاحتلال الذي عانوا منه كثيرًا جدًا.
7- وعمر جمال عبد الناصر 5 أعوام لم يستطع فؤاد ملك مصر ومن معه وضع أي إشارة في دستور 1923 م تخص السودان من قريب أو بعيد، وقد وضعت لجنة تشكيل الدستور نصوصًا في المسودة تخص السودان فأجبرها الإنجليز على حذفها بإهانة وامتهان.
8- وعمر جمال عبد الناصر 6 سنوات قام الإنجليز بطرد وحدات الجيش المصري- التي تشاركهم في الاحتلال- بإهانة وإذلال.
9- وجمال عبد الناصر شابًا لم يسمع بزيارة للسودان من حاكم مصر فؤاد أو من بعده فاروق أو من قبله حسين كامل؛ لأنها لم تحدث، ولم يكن أيًّا منهم يستطع القيام بها، فكيف بحاكم لا يستطيع زيارة جزء من " دولته"؟ هل كان الملك فاروق ملكًا على مصر والسودان؟
10- لم يعرف جمال عبد الناصر عضوًا سودانيًّا في البرلمان المصري، أو وزيرًا سودانيًّا، فكيف ولماذا لم يحدث ذلك؟
11- عرف جمال عبد الناصر وهو ضابط وضع وحدات الجيش المصري التي كانت في السودان بعد عودتها بعد توقيع اتفاقية 1936 م ( هذه الاتفاقية كانت سببًا في دخول جمال عبد الناصر الكلية الحربية رِ مقالنا: كيف دخل الضباط الأحرار الكلية الحربية؟) فكيف بوحدات جيش يُفعل وتفعل ذلك في " بلدها"؟
12- عرف جمع عبد الناصر جفاء وقسوة وغرور المصريين في تعاملهم مع السودانيين الذين من المفترض أنهم أبناء " دولة واحدة".
13- إجراءات تمهيد السودان لتقرير المصير بدأت قبل ثورة يوليو ومنها قوانين أكتوبر ١٩٥١ التي نصت على بعض الأشياء منها تكوين جمعية تأسيسية للسودان لعمل دستور، وحتى اتفاقية حق تقرير المصير للسودان كانت شبه جاهزة للتوقيع وبنودها معدة بالاتفاق سلفًا قبل قيام ثورة يوليو 1952.

جمال عبد الناصر ومحمد نجيب واستقلال السودان

14- توقيع اتفاقية السودان تم بيد محمد نجيب بعد موافقة مجلس قيادة الثورة، وكان القرار فيه بالأغلبية، وليس بيد عبد الناصر وحده بدليل وجود كثير من القرارات لم تكن على هوى عبد الناصر؛ مثل إعدام خميس والبقري، وعلى من يحمل عبد الناصر المسؤولية عن اتفاقية حق تقرير المصير للسودان أن يختار بين كون نجيب قائد بلا قيمة ودور وبالتالي إزاحته وأسبابها لا تستحق كل ما يثار حولها، أو أن نجيب قائد للثورة ودوره مؤثر وبالتالي يتحمل جزء من المسؤولية بل والجزء الأكبر في كل القرارات والإجراءات، ومنها اتفاقية حق تقرير المصير للسودان.
15- ما تم في عهد ناصر هو تنفيذ خطوات الاتفاقية، والتي كانت لها جداول زمنية محددة تنتهي في ديسمبر 1955 م، ولم يكن ناصر ليلغي ما تم الاتفاق عليه حيث سيجد معارضة سودانية وإنجليزية ودولية.
16- فعل الضباط الأحرار الكثير من الخطوات لإقناع السودانيين بالوحدة؛ فقد وحدوا الاتحاديين في حزبٍ واحدٍ ومولوهم حتى حققوا أغلبية في البرلمان، وكان إعلام القاهرة مسخرًا للوحدة والاتحاديين، كذلك وعد الأحرار السودانيين بكثيرٍ من المشروعات الكبرى والأحلام العظيمة إن اختاروا الوحدة، هل أن تعرف أن صلاح سالم رقص شبه عاريًا مع بعض أهالي جنوب السودان من أجل جذبهم للوحدة في إطار حملة مصرية للإقناع.
صلاح سالم يرقص في السودان؛ تقربًّا للسودانيين من أجل تأييد الوحدة مع مصر
صلاح سالم يرقص أثناء جولاته لإقناع السودانيين بالوحدة.
17- ماذا كنت تريد من ناصر أن يفعل؟ هل يمنع شعبًا يرى جزء كبير من أهله ضرورة الاستقلال عن مصر وبريطانيا معًا " لا مصري ولا بريطاني، السودان للسوداني"، هل كان على ناصر أن يحاربهم؟ هل كان عليه أن يجبرهم على الوحدة؟ ماذا كان بيده أن يفعل ولم يفعل؟
18- قد يقول قائل: كيف لمن يدعو إلى الوحدة العربية والتضامن الأفريقي أن يترك السودان لينفصل ( يستقل أكثر دقةً وموضوعية) وقد وحد ناصر مصر وسوريا معًا والأخيرة لا تجاور مصر ولا تلتصق بها، أقول لذاك القائل: أن ناصر كان يرى أن أي محاولة للوحدةِ لابد أن تكون على اقتناع من أغلبية المتوحدين لا ضغطًا ولا جبرًا ولا ابتزازًا، وكان عبد الناصر يرى أن الوحدة لابد أن تكون ندية وليس كما في الحالة المصرية السودانية وقتها حيث شعور كثير من السودانيين نحو مصر وشعور المصريين نحو السودان.
أو لا تعلم أن الوحدة السورية المصرية تمت بناءً على طلبٍ سوري وبضغطٍ وإلحاح ومطالبات شعبية وصل صداها بعيدًا، وناصر كان يرى أن ظروف الوحدة وشروطها لم تحن بعد، اطلع على دستور الجمهورية العربية المتحدة 1958 م.
أو لا تعلم أن عبد الناصر رفض استخدام القوة لضرب الانقلابيين على الوحدة وقال: " المهم أن تبقى سوريا".
أو لا تعلم أن عبد الناصر رفض بعد ذلك محاولات سورية كثيرة لإرجاع الوحدة وكان يرى أن الوحدة القوية لم يحن وقتها بعد.

جمال عبد الناصر وأزمة مارس واستقلال السودان

يقول البعض أن أزمة مارس عام ١٩٥٤ م بين الضباط الأحرار بعضهم البعض هي السبب في انفصال السودان، وأن عزل محمد نجيب أثر في رأي الكثير من قادة السودان المؤيدين للوحدة؛ حيث أن نجيب وصلاح سالم من وحدا الأحزاب الاتحادية في حزب واحد، وكان السودانيون يعتبرونه الأقرب إليهم، وبسبب موقف الإخوان المسلمين السودانيين الذين كانوا يعتبرونه حليفًا لإخوان مصر.
وهذا الكلام مردود عليه في النقاط الآتية:
١-هل الوحدة وحدة أشخاص أم شعوب؟ وإذا كانت الرغبة في الوحدة حقيقية ودوافعها قوية فهل ستتغير هكذا بسرعة لخلاف سياسي داخلي أو تبدل أشخاص؟
٢- أليس شعب وادي النيل زمن فاروق هو نفسه شعب وادي النيل بعده؟ أليس إسماعيل الأزهري الذي كان يهتف باسم فاروق ويسميه "الفاروق" ثم يمدح نجيب ويعتبره بطلًا هو نفسه إسماعيل الأزهري أحد قادة الاستقلال؟
٣- ماذا كان سيحدث للوحدة بعد محمد نجيب حتى لو ظل في موقعه في 54؟
٤- ما هو شكل الوحدة إذا حدثت والسودانيون يختلفون عليها شكلًا وموضوعًا؟
٥- هل سيسكت رافضو الوحدة وهم كثر - ولولا الدعم المصري ما فاز الاتحاديون في الانتخابات- أم انهم سيقومون باحتجاجات دائمة خاصة وأن الدستور غالبًا كان سينص على حق الاستقلال والانفصال؟
٦-ماذا كان سيحدث لو فاز الاستقلاليون في أي انتخابات قادمة؟
٧-ما هو موقف الجنوب السوداني الرافض لمصر والشماليين معًا، وكان لموقف الجنوب أسباب كثيرة وواقعية؟
٨- إسماعيل الأزهري رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، نجح البريطانيون في إغواؤه بأبهة الرئاسة بعد استقلال السودان؛ فتحول من وحدوي إلى انفصالي، وما حدث في مؤتمر باندونج لدول عدم الانحياز عام 1955 هو خير دليل على رفض الرئيس عبد الناصر لانفصال السودان ومحاولته عرقلته بكل السبل.

جمال عبد الناصر ووفد السودان في مؤتمر عدم الانحياز

فخلال المؤتمر ذهب وفد السودان برئاسة إسماعيل الأزهري لحضور المؤتمر ومعه مبارك زروق و حسن عوض الله وخليفة عباس، وجاء الوفد المصري برئاسة جمال عبد الناصر، واعترض جمال عبد الناصر على أن يكون الوفد السوداني مستقلًا وطلب من الوفد السوداني أن يجلس في المؤتمر خلف الوفد المصري باعتباره مصر والسودان بلدًا واحدًا فرفض إسماعيل الأزهري، وقال له “نحن على أبواب الاستقلال وسنكون دولة مستقلة ولابد أن نمثل الشعب السوداني لأن هذا المؤتمر يمثل الشعوب" فرفض عبد الناصر ذلك وقال للأزهري «أنتم بلا علم يمثلكم وعليكم بالجلوس خلف العلم المصري» فتدخل عضو الوفد السوداني مبارك زروق على الفور وقال: نحن لدينا علم وأخرج منديله الأبيض من جيبه، وقال هذا هو علمنا بعد أن وضعه على رأس قلمه، وجلس وفد السودان بزعامة الأزهري منفردين عن الوفد المصري وما زال هذا المنديل حتى الآن موجودًا في المعرض المقام عن مؤتمر دول عدم الانحياز في باندونج بإندونيسيا.
* المراجع:
١- عصر محمد علي- عبد الحمن الرافعي-دار المعارف ١٩٨٩ م.
٢- مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال- عبد الرحمن الرافعي- النهضة المصرية- ١٩٤٨ م.
٣- في أعقاب الثورة المصرية( ١٩٤٧- ١٩٥١ م)- عبد الرحمن الرافعي- مكتبة النهضة المصرية- ١٩٥١ م.
٤- فاروق وسقوط الملكية- لطيفة محمد سالم- مكتبة مدبولي.
٥- مقدمات ثورة يوليو- عبد الرحمن الرافعي- الطبعة الثالثة- دار المعارف- ١٩٨٧ م.
3- محمد فؤاد شكري: مصر والسيادة على السودان- مؤسسة هنداوي ٢٠٢٥ م.
4- محسن محمد: مصر والسودان الانفصال بالوثائق السرية البريطانية والأمريكية- دار الشروق.
نتمنى أن نكون قد ساعدنا من يبحث عن:
الاحتلال المصري التركي للسودان.
مصر والسودان.
متى تم احتلال السودان؟
مقاومة السودانيين للاحتلال المصري التركي.
الثورة المهدية.
أفعال وتصرفات وجرائم الجيش المصري في السودان.
كيف قاوم السودانيين الاحتلال المصري التركي؟
ما أهداف محمد علي من احتلال السودان؟
الثورة المهدية ضد الاحتلال المصري التركي للسودان.
معركة كرري.
الاحتلال المصري الإنجليزي للسودان.
السودان المصري الإنجليزي.
اتفاقية السودان 1899 م.
الثورات السودانية ضد الاحتلال المصري التركي والمصري الإنجليزي.
دستور 1923 في مصر.
معاهدة 1936 م والسودان.
الملك فاروق والسودان.
ملك مصر والسودان.
السودان في عهد الملك فاروق.
السودان والمملكة المصرية.
استقلال السودان.
انفصال السودان عن مصر.
استقلال السودان أم انفصال السودان؟
تاريخ السودان.
محمد نجيب والسودان.
جمال عبد الناصر والسودان.
الإخوان المسلمون في السودان.
حزب الأمة.
الإمام المهدي.
اتفاقية حق تقرير المصير للسودان.
إعلان استقلال السودان.
جمال الغريدي
جمال الغرِّيدي
جمال الغرِّيدي
تعليقات