يظن البعض أن لقب الملك فاروق قد كان " ملك مصر والسودان"، وأن الملك فاروق قد ورث لقب ملك مصر والسودان عن أبيه الملك فؤاد، ويستمرون في الظنون فيظنوا ارتباط مصر والسودان في لقب كل الحكام من أسرة محمد علي.
وكنا قد تناولنا في مقالات سابقة العلاقات بين مصر والسودان من الاحتلال إلى
![]() |
هل كان الملك فاروق ملكًا على مصر والسودان؟ |
ونتناول في هذا المقال نقطة مهمة تُردد في كل مكان واقعي أو افتراضي، هي أن لقب الملك فاروق كان " ملك مصر والسودان"؛ فما من يذكر أحدهم اسم الملك فاروق إلا ويتبعه نطقًا أو كتابة أو فكرًا بلقب " ملك مصر والسودان"، لكن هناك سؤالًا مهمًا وهو:
متى لقب الملك فاروق بلقب ملك مصر والسودان؟
إن الإجابة عن هذا السؤال بالأدلة والبراهين كافية لإثبات باق ما سنسرد؛ حيث أن تاريخ إطلاق لقب " ملك مصر والسودان" على الملك فاروق، وكذلك الأحداث التي أدت إلى ذلك سواء في الداخل المصري أو في المفاوضات الخاصة بالسودان بين مصر وبريطانيا، ومدى التطبيق الفعلي للقب " ملك مصر والسودان" ستكون واضحة وضوح الشمس لمن يسمع أو يرى.
والحقيقة أن لقب " ملك مصر والسودان" لم يُلقب به أحدًا من أسرة محمد علي سوى الملك فاروق، حتى أن الملك فؤاد عندما وُلد ابنه فاروق لقبه بـ " أمير الصعيد" ولم يستطيع تلقيبه بـ " أمير السودان" مثلًا.
إذًا لم يكن لقب الملك فاروق منذ توليه الحكم " ملك مصر والسودان" بل لُقب به بعد ذلك بفترة زمنية كبيرة، بل قبل سقوط حكمه بعدة شهور أم أن هذا مجرد لقب شكلي حصل عليه قبل سقوطه ومغادرته مصر بشهور ولماذا تأخر إطلاق لقب " ملك مصر والسودان" على آخر حكام أسرة محمد علي، وهل مارس الملك فاروق سلطاته على مصر والسودان معًا، هل كان الملك ذا قيمة في السودان رسميًّا وشعبيًّا؟ وهل كان له دور في مصير السودان والسودانيين؟
وضع السودان في دستور مصر ١٩٢٣م ولقب ملك مصر والسودان فيه
وضعت اللجنة المشكلة لوضع دستور مصر في سنة ١٩٢٣ نصًا في المادة ٢٩ من المسودة ينص على أن " الملك هو ملك مصر والسودان مع بقاء وضع السودان كما أُقر في اتفاقية ١٨٩٩م بين مصر وبريطانيا"، لكن تدخلًا إنجليزيًا قويًا وحاسمًا منع هذه النص وتم حذفه من المسودة، وأُجبر الملك فؤاد واللجنة الواضعة للدستور على قبول ما يريده الإنجليز بخصوص السودان.
وبذلك نص دستور مصر ١٩٢٣ على أنه يطبق على مصر فقط دون السودان وعلى أن لقب الملك هو: " ملك مصر" في كافة مواد الدستور.
وكانت كل الأحكام والمبادئ التي نص عليها دستور ١٩٢٣ خاصة بمصر والمصريين دون إشارة إلى السودان والسودانيين سوى في مادتين هما المادتين ١٥٩التي جاءت في " باب أحكام عامة" والتي نصت على:
" تجري أحكام هذا الدستور على المملكة المصرية بدون أن يخل ذلك مطلقًا بما لمصر من حقوق في السودان".
والمادة ١٦٠والتي جاءت في " باب أحكام ختامية وأحكام وقتية" والتي كان نصها:
" يعين اللقب الذي يكون لملك مصر بعد أن يقرر المندوبون المفوضون نظام الحكم النهائي للسودان".
إذًا لم يكن هناك نصًا بخصوص السودان في دستور مصر سنة ١٩٢٣م سوى في هاتين المادتين واللتين يعلقان أمر السودان للمستقبل ومفاوضات المستقبل، وهما في نصهما لا يدلان على أي إشارة أو تصريح أو تلميح عن تبعية السودان لمصر أو أن مصر والسودان دولة واحدة، ولا يشيران من قريب أو بعيد إلى أن لقب ملك مصر هو ملك مصر والسودان.
قد يقول قائل: أن المادة ١٥٩ نصت على أن " ... بما لمصر من حقوق في السودان"، والرد عليه يكون بأن هذه الحقوق حقوق صورية وشكلية وذات بعد استعماري بالمشاركة مع المحتل الأكبر البريطاني كما نصت على هذه الحقوق اتفاقية ١٨٩٩ بين مصر وبريطانيا اللتين يتشاركان في احتلال السودان.
تم توقيع معاهدة ١٩٣٦ بين مصر وبريطانيا بخصوص بعض القضايا المعلقة منذ تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢ لكن وضع السودان لم يتغير في هذا الاتفاقية سوى بعودة بعض وحدات الجيش المصري إلى السودان والتي خرجت منه في عام ١٩٢٤ بعد مقتل سردار الجيش الإنجليزي السير لي ستاك في عام ١٩٢٤.وضع السودان في معاهدة ١٩٣٦ ولقب ملك مصر والسودان فيها
وبرغم المحاولات المصرية المستميتة للحصول على أكبر قدرٍ من المكاسب في السودان، لكن الرفض الإنجليزي كان قويًّا وحاسمًا، والمصالح الإنجليزية أهم وأولى.
وبذلك ظل لقب الملك هو لقب: " ملك مصر" ولم يتغير هذا اللقب حتى أكتوبر ١٩٥١.
الملك فاروق ملك مصر والسودان- كيف ومتى؟
بعد مرور كل هذه السنوات وبعد مفاوضات طويلة وجولات وصولات داخلية وخارجية وصلت لأروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة، قرر مصطفى باشا النحاس إلغاء اتفاقية ١٩٣٦ في يوم ٨ أكتوبر ١٩٥١ ووضع تعديل دستوري ينص على أن لقب الملك هو " ملك مصر والسودان " كذلك إقرار وضع دستور للسودان يضعه أبناء السودان، وذلك حسب القانونيين ١٧٦ و ١٧٧ لسنة ١٩٥١ م.
وبالفعل أصبح الملك فاروق يلقب ب " ملك مصر والسودان" على أن هذا اللقب كان شكليًا للاعتبارات الآتية:
١- لم تعترف بريطانيا بإلغاء اتفاقية ١٩٣٦ والإلغاء تم من جانب مصر فقط كذلك لم تعترف بريطانيا بالتعديل الدستوري الجديد.
٢- لم تعترف أي دولة من دول العالم باللقب الجديد للملك فاروق " ملك مصر والسودان" وظل هذا اللقب داخل الحدود المصرية فقط.
٣- مدة استعمال هذا اللقب قصيرة جدًا وهي عدة شهور حيث ذكرنا أن تعديل اللقب تم في شهر أكتوبر ١٩٥١ أي قبل سقوط الملك فاروق بتسعة شهور.
٤- لا توجد أي عملات مصرية من كل الفئات ومن كل سنوات الإصدار مكتوبًا عليها لقب مصر والسودان ( انظر الصور).
وبالفعل أصبح الملك فاروق يلقب ب " ملك مصر والسودان" على أن هذا اللقب كان شكليًا للاعتبارات الآتية:
١- لم تعترف بريطانيا بإلغاء اتفاقية ١٩٣٦ والإلغاء تم من جانب مصر فقط كذلك لم تعترف بريطانيا بالتعديل الدستوري الجديد.
٢- لم تعترف أي دولة من دول العالم باللقب الجديد للملك فاروق " ملك مصر والسودان" وظل هذا اللقب داخل الحدود المصرية فقط.
٣- مدة استعمال هذا اللقب قصيرة جدًا وهي عدة شهور حيث ذكرنا أن تعديل اللقب تم في شهر أكتوبر ١٩٥١ أي قبل سقوط الملك فاروق بتسعة شهور.
٤- لا توجد أي عملات مصرية من كل الفئات ومن كل سنوات الإصدار مكتوبًا عليها لقب مصر والسودان ( انظر الصور).
![]() |
ملك مصر فقط ولا ذكر لكلمة السودان مجموعة من العملات المصرية. |
٦- لم يترتب على اللقب الجديد ( ملك مصر والسودان) أي سلطات فعلية أو قرارات واقعية للملك فاروق على السودان أي أنه لقب بدون سلطات فعلية أو حقيقية على أرض الواقع.
٧- لم يغير اللقب الجديد شيئًا على أرض الواقع فظل وضع السودان كما هو دونما أدنى تغيير.
استقلال السودان بعد ثورة يوليو ١٩٥٢ ولقب ملك مصر والسودان
بعد سقوط الملك فاروق تم وضع ابنه أحمد فؤاد الثاني ملكًا لمصر تحت مجلس وصاية؛ لأن أحمد فؤاد وقتها كان لا يزال طفلًا يبلغ من العمر عدة شهور وظل لقب الملك هو " ملك مصر والسودان " حتى تم إجراء الاستفتاء على استقلال السودان في ١٩٥٥ وتم الإعلان عن استقلال السودان في ١ يناير ١٩٥٦ وبذلك تنتهي فصول هذه القصة التي بدأت بتوجيه محمد علي جيوشه لاحتلال السودان في عام ١٨٢٢ من أجل الذهب والنيل وتجنيد السودانيين، وللتذكرة فإن استقلال السودان جاء عبر اتفاقية حق تقرير المصير للسودان
نتمنى أن نكون قد ساعدنا من يهتم بالبحث عن موضوعات ترتبط بـ:
مصر والسودان.
الاحتلال المصري التركي للسودان.
الثورة المهدية.
الاحتلال المصري الإنجليزي للسودان.
معركة كرري.
اتفاقية السودان 1899 م.
السودان المصري الإنجليزي.
الانتفاضات السودانية ضد الاحتلال.
السودان في عهد الملك فاروق.
السودان والمملكة المصرية.
ملك مصر والسودان.
دستور 1923 في مصر.
استقلال السودان.
انفصال السودان عن مصر.
تاريخ السودان.
محمد نجيب والسودان.
جمال عبد الناصر والسودان.
الإخوان المسلمون في السودان.
حزب الأمة.
الإمام المهدي.
اتفاقية حق تقرير المصير للسودان.
إعلان استقلال السودان.
جمال عبد الناصر والسودان.
١- في أعقاب الثورة المصرية - الجزء الأول والجزء الثاني لعبد الرحمن الرافعي.
٢- مصر والسودان ،الانفصال بالوثائق السرية لمحسن محمد.
٣- الصحف والمجلات المصرية الصادرة في شهر أكتوبر ١٩٥١.
٤- اتفاقية ١٨٩٩بين مصر وبريطانيا بخصوص وضع السودان.
٥- دستور ١٩٢٣.
٦- معاهدة ١٩٣٦.
٧- القانونيين ١٧٦ و ١٧٧ لسنة ١٩٥١م.
٩- صور العملات المصرية القديمة في العهد الملكي.
جمال الغريدي
يمكنك إضافة معلوماتك أو رأيك حول هذا الموضوع من خلال التعليقات التي لا تستوجب تسجيل الدخول.
شارك الموضوع إذا أعجبك.
قل معلوماتك وعبر عن رأيك