من موضوعاتنا:

مصر العظمى قبل يوليو 1952 عهد الملك فاروق وأسلافه

يزعم البعض أن حال مصر قبل ثورة يوليو ١٩٥٢ م كان أفضلَ من حالها بعد يوليو لا بل إن الشطط زاد عندهم بعضهم فأسماها مصر العظمى من عام ١٨٠٥ إلى عام ١٩٥٢.
مصر العظمى من 1805 - 1952 م زمن الملك فاروق وأسرة محمد علي
مصر العظمى من 1805 - 1952 م زمن الملك فاروق وأسرة محمد علي

أوهام مصر العظمى زمن الملك فاروق وأسلافه

يتحدثون عن الاقتصاد المصري وعن سعر الجنيه المصري في عهد الملك فاروق، وعلى أن مصر كانت تسلف بريطانيا ولها عليها الديون الاسترلينية، بل وسلفت بلجيكا وساعدت في إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وأن الأجانب كانوا يأتون إلى مصر للعمل والهجرة، وأن السودان كانت تابعة لمصر قبل يوليو ١٩٥٢ م، وأن هناك دولًا أخرى حاولت الانضمام لمصر والانضواء تحت عرش الملك فاروق، وأن الأمراء والوزراء من خارج مصر كانوا يقبلون يد الملك فاروق وينحنون له......
كانت مصر دولة عظمى حتى جاء الضباط الأحرار وقضوا على عظمتها، ودمر الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر الاقتصاد المصري، وجعلوا مصر دولة تابعة لا متبوعة، ولولا الضباط الأحرار لكانت مصر مثل اليابان الآن...
هكذا انتشرت هذه الأقاويل بين الناس لا سيما الشباب منهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وانتقلت إلى الواقع، وصارت عند البعض كالحقائق الثابتة التي لا تقبل مجرد التشكيك فيها. 
ويستدل بعضهم على مصر العظمى المتخيلة من ١٨٠٥ إلى ١٩٥٢ بصور لعدة شوارع في القاهرة والإسكندرية، أو بصورٍ لأميراتٍ من أسرة محمد علي أو الطبقة الغنية الملتفة حول الأسرة، أو بخريطةٍ لمصر والسودان وهم لم يقرأوا هل كان الملك فاروق ملكًا على مصر والسودان، أو بخريطة تضم مصر وبلاد الشام والحجاز وكأنهم يجهلون أن هذه الأراضي تنازل عنها محمد علي في اتفاقية لندن سنة ١٨٤٠ م، أو صور لسعرالجنيه قبل ١٩٥٢ م.
سنحاول في مقالنا هذا الإجابة عن سؤال:

هل كانت مصر دولة عظمى قبل يوليو ١٩٥٢ م؟

١- مصر العظمى التي يتحدثون عنها احتلها الإنجليز في سنة ١٨٨٢ وظلوا محتلين لها حتى عام ١٩٥٤ م وبرغم إعلان ٢٨ فبراير ١٩٢٢ واتفاقية ١٩٣٦ إلا أن الإنجليز كانوا يسيطرون على مصر فعليًا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا ويعينون حكامها وحكوماتها.
وليس أدل على ذلك من حادث ٤ فبراير ١٩٤٢ حيث أجبر الإنجليز الملك فاروق بالقوة على تعيين زعيم الأمة مصطفى النحاس !! رئيسًا للوزراء وليست هذه الحكومة الوحيدة التي أتت على هوى الإنجليز بل كل الحكومات المصرية من بعد الاحتلال لا بل من قبله كانت على هوى الاحتلال وتخدم مصالحه العليا؛ فهل يمكن لدولة عظمى أن  تكون محتلة لمدة ٧٢ سنةً.
٢- مصر العظمى التي يتحدثون كانت مسخرة لخدمة المحتل في حروبه العالمية فجند منها مئات الآلاف في الحربية العالمية الأولى ومص اقتصادها واخضع مواردها في الحربين الأولى والثانية، وسلب بالقوة ما يريده لخدمة حروبه وسجله كدين عليه؛ ومن هنا جاءت الديون التي كانت لمصر على بريطانيا وغيرها وسميت بـ " الديون الاسترلينية"؛ ولم تكن مصر تستطيع أخذ ما تريد من ديونها على بريطاني؛ فهل هذه دولة عظمى؟ 
٣- مصر العظمى التي يتحدثون عنها مات منها سخرة ما يزيد عن ١٢٠ ألف مواطن في عملية حفر قناة السويس التي آلت ملكيتها والسيطرة عليها للإنجليز والفرنسيين، وكانت دولةً داخل الدولة تدفع لها مصر رسوم عبور حتى في الرحلات الداخلية!!!؛ فهل يمكن لدولةٍ عظمى أن يكون جزءًا مهمًا فيها ملكًا للمحتل؟
٤- مصر العظمى التي يتحدثون عنها كان الفيضان يأتيها كل سنة؛ فيغرق أهلها وحرثها وزرعها ونسلها، ثم تذهب مياهها إلى البحر، وعندما جاء المهندس اليوناني، أدريان دانينوس بفكرة بناء السد العالي طردته حكومة ملكها واعتبروه مجنونًا؛ فهل هذه دولة عظمى؟ ونواصل ونسأل عن:

اقتصاد مصر العظمى زمن الملك فاروق وأسرة محمد علي

٥- مصر العظمى التي يتحدثون عنها حقق ناتجها القومي المركز التاسع والأربعين ( ٤٩) من إجمالي اثنين وخمسين دولةً في سنة ١٩٤٩، وكان اقتصادها متخلفًا ويعتمد على زراعة القطن لدولة الاحتلال، وكانت الصناعة لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من دخلها القومي، وكانت آخر ميزانيةً عام ١٩٥٢ تبلغ مائتي مليون جنيه ( ٢٠٠ مليون جنيه ) ويبلغ عدد سكنها ٢٠ مليون نسمة أي ١٠ جنيهات لكل مواطن، بل إن هذه الميزانيةَ كان فيها عجزًا مقداره ٤٠ مليون جنيهٍ؛ فهل هذا اقتصاد دولةً عظمى؟
ترتيب الناتج المحلي المصري بين دول العالم في 1950 م
ترتيب الناتج المحلي المصري بين دول العالم في 1950 م
٦- مصر العظمى التي يتحدثون عنها كان يسيطر على اقتصادها مجموعةً من الأجانب نسبة كبيرةً منهم يهودٌ، وكان البنك الأهلي الإنجليزي هو من يطبع العملة فيها؛ فهل هذه دولة عظمى؟
٧- مصر العظمى التي يتحدثون عنها كان مشروع مكافحة الحفاء مشروعًا كبيرًا فيها يتبناه جلالة الملك فاروق الأول، والمعروف أن الحفاء فقر والتعود عليه دليلٌ على الفقر المزمنِ، حتى أن هذا المشروع لم ينجح هو الآخر؛ فهل يمكن لدولةٍ عظمى أن يكون شعبها حافيًا؟
٨- مصر العظمى التي يتحدثون عنها كان أكثر من ٩٠% من شعبها أميًا وكان التعليم الابتدائي- على قلته- غير مجاني فيها حتى سنة ١٩٤٤، والتعليم الثانوي غير مجاني فيها حتى سنة ١٩٥٠، ورأي ملكها أن دعوة الدكتور طه حسين لمجانية التعليم الجامعي هي دعوةً لنشر الشيوعية وفيديو الدكتور طه حسين الذي يتحث فيه عن اتهام الملك فاروق له بالشيوعية موجود ومتوفر ومتداول، وكان التعليم الجامعي غير مجاني فيها والذي أقرت مجانيته في في عهد جمال عبد الناصر؛ فهل يمكن لدولة عظمى أن شعبها أميًا وتصر على أن يظل الشعب أميًّا؟
٩- مصر العظمى التي يتحدثون عنها كانت موطنًا لأمراضٍ مثل البلهارسيا والجلاكوما......، وكان الحلاق هو الطبيب لأغلب شعبها وكان يسمونه بالحكيم، وكان متوسط عمر الأعمار فيها ٣٠ سنةً في المركز قبل الأخير قبل دولة الهندِ ( للمزيد عن وضع الصحة في مصر قبل عام ١٩٥٢ مراجعة كتاب " ساعة عدل واحدة" من تأليف الطبيب المقيم في مصر وقتها سيسيل ألبورت، فهل يمكن أن تكون مصر الملكية دولةً عظمى؟
١٠- مصر العظمى التي يتحدثون لم تكن الكهرباء تغطي سوى أقل من ٥% منها برغم وجود سد أسوان الذي كهرب في عام ١٩٦٠، وبرغم وجود شركة لإنتاج الكهرباء فهل يمكن أن تكون مصر في عهد الملك فاروق ومن قبله دولة عظمى دولة عظمى؟
١١- مصر العظمى التي يتحدثون لم تكن مياه الشرب النظيفة موفرة سوى لأقل من ٥% من سكانها والباقي يشربون من الترع والطلمبات فهل يمكن أن تكون هذه دولة عظمى؟
١٢- مصر العظمى التي يتحدثون كانت مقسمةً إلى أمراء ونبلاء وباشوات وبكوات وعامة الشعب، وكان لا يُجند من يدفع مبلغًا من المال وبالتأكيد لا يملك الفقراء دفع هذا المبلغ وكانت تنتشر فيها الواسطة والمحسوبية والنظرة الدونية لبعض فئات الشعب فهل هذه دولة عظمى؟ إذًا كيف دخل جمال عبد الناصر والضباط الأحرار الكلية الحربية؟
١٣- مصر العظمى التي يتحدثون كانت طبقة لا تتجاوز نسبتها ال ١% تسيطر على مقدراتها بينما يعيش الشعب حياة بائسة مريرةً لا تتوفر لهم أبسط سبل الحياة؛ فهل يمكن أن تكون هذه دولة عظمى؟
١٤- مصر العظمى التي يتحدثون لم يحكم فيها حزب الأغلبية الشعبية  حزب الوفد سوى ما يقرب من ٥ سنوات منذ إقرار دستور ١٩٢٣؛ والباقي فترات حكم لأحزاب الأقلية الشعبية التي كانت تفوز في الانتخابات بالتزوير ومساعدة الشرطة، مصر العظمى التي كان لدى ملكها جهاز خاص لاغتيال معارضيه ( جهاز الحرس الحديدي )، والتي لم يكمل فيها برلمانٌ مدته الكاملة وكلها حلت بأوامر ملكية بل إن هناك برلمانًا يسمى برلمان التسع ساعات؛ حيث أن دستور ١٩٢٣ أعطى الملك حرية حل البرلمان بدون ضوابط؛ فهل يمكن أن تكون مصر الملكية هذه دولة عظمى؟
١٥- مصر العظمى التي يتحدثون لم تكن تتوفر فيها أي حقوق للعمال والفلاحين سواء بتحديد ساعات العمل أو الأجور أو التأمينات أو المعاشات أو التعويضات أو حماية من الفصل التعسفي أو غير ذلك فهل هذه دولة عظمى؟
١٦- مصر العظمى التي يتحدثون عنها هُزمت هي وعدة دول عربية على يد مجموعة من العصابات الصهيونية؛ وسيطرت هذه العصابات على ٧٨% من فلسطين التاريخية، بل إن الجيش المصري عندما ذهب لحرب فلسطين أخذوا من الشوارع عنوة سيارات المدنيين لنقل المقاتلين، وعندما بحثوا لجيشها عن تسليح سلحوه بمخلفات الحرب العالمية فهل هذه دولة عظمى؟
١٧- مصر العظمى التي يتحدثون عنها كان سيرة ملكها تحمر منها الوجوه خجلًا داخل مصر وخارجها؛ حيث اشتهر باستهتاره ولعبه للقمار وبذخه في الملذات وهوسه بجمع المقتنيات برغم بؤس شعبه البئيس فهل هذه دولة عظمى؟
هذه هي مصر الحقيقية لا مصر الملكية العظمى المتخيلة، حدثني عن الاستقلال، عن الاقتصاد المصري في عهد الملك فاروق ولا تستدل بسعر الجنيه وتصمت، حدثني عن التعليم والصحة والخدمات والمرافق في مصر الملكية، قل لي: كيف دمر الضباط الأحرار الاقتصاد المصري؟ كيف أضعفوه بعد قوة؟ لا تنقل كلامًا بدون تدقيق وتقليب ووزن، لا بصورة هنا أو هناك لملابس وأماكن طبقة صغيرة تابعة للمحتلة وتثبت وجوده...
هذه نقاط عرجنا باختصار عليها، فلم تكن مصر الملكية قبل ١٩٥٢ دولة عظمى؛ فكفى استهزاءً بعقول البسطاءِ.
جمال الغريدي
إذا كان لديك إضافات يمكن إطلاعنا عليها من خلال التعليق الذي لا يستوجب تسجيل الدخول.
شارك المقال

جمال الغرِّيدي
جمال الغرِّيدي
تعليقات