من موضوعاتنا:

وثائق تعيين بريطانيا الأمير فاروق وليًّا لعهد مصر

لبريطانيا سوابق في تعيين حكام مصر؛ فقد عينت من قبل الخديوي توفيق وعباس حلمي الثاني والسلطان حسين كامل والملك فؤاد، لكنها هذه المرة عينت أول ولي عهد للمملكة المصرية، وهو الأمير فاروق ابن السلطان ( الملك بعد ذلك) فؤاد، نعم الاحتلال الإنجليزي هو من عين فاروق وليًّا للعهد. اقرأ: وثيقة تنازل الملك فاروق عن عرش مصر.
وثائق تعيين بريطانيا الملك فاروق وليًّا لعهد المملكة المصرية
وثائق تعيين بريطانيا الملك فاروق وليًّا لعهد المملكة المصرية
ولد فاروق في ١١ فبراير سنة ۱۹۲۰، وهو ابن الملك أحمد فؤاد من زوجته الملكة السابقة نازلي صبري بنت عبد الرحيم صبري باشا.
وبدا في ملابسات ولادته وولايته للعهد مبلغ التدخل البريطاني في شؤون مصر الداخلية، وسيطرته عليها، فقد اجتمع مجلس الوزراء عندما بلغه نبأ مولده، وقرر إبلاغ النبأ إلى المديرين والمحافظين ثم إلى المندوب السامي البريطاني (اللورد اللنبي) وإلى وزارة الخارجية البريطانية. 
وكان الولاء للاستعمار البريطاني هو الذي أملى مجلس الوزراء هذا القرار الشاذ، إذ أبلغ نبأ مولد فاروق إلى المندوب السامي البريطاني وحده دون معتمدي الدول الأجنبية، ثم إلى وزارة الخارجية البريطانية دون غيرها من الدول.وانتهزت الحكومة البريطانية من ناحيتها فرصة مولد الأمير فاروق، وأرادت أن تعلن عن مظهر من مظاهر الحماية بتدخلها في تقرير وراثة العرش؛ إذ لم يكن قد بت بعد في أمر ولاية العهد في ظل الحماية البريطانية، وإذ رأت أن السلطان (الملك) فؤاد لم يعلن تلقيب ابنه وليًّا للعهد؛ فقد وضعت هي نظام توارث العرش وأعلنت فاروقًا وليًّا للعهد، وذلك في خطاب بعث به اللورد اللنبي إلى السلطان فؤاد في ١٦ أبريل سنة ١٩٢٠، هذا نصه:

خطاب الجنرال اللنبي بتعيين الأمير فاروق وليًّا للعهد

" دار الحماية في ١٥ أبريل سنة ١٩٢٠.
یا صاحب العظمة إن الحادث السعيد الجديد ألا وهو ميلاد نجل لعظمتكم قد دعا حكومة جلالة الملك إلى النظر في نظام وراثة السلطنة المصرية، وعليه فقد أمرت من لدن جلالة الملك بأن أبلغ عظمتكم الاعتراف بنجل عظمتكم الأمير فاروق ونسله من الذكور على قاعدة الأكبر فالأكبر من أولاده وهكذا، وإن لم يوجد فيمن يولد لعظمتكم من الذكور ومن يتناسل منهم من الذكور على نفس تلك القاعدة كأولياء عهد لعظمتكم في حق تقلد السلطنة المصرية.
 وإني مع تقديمي التهاني لعظمتكم بهذه المناسبة السعيدة أسمح لنفسي بانتهاز هذه الفرصة للإعراب عن اعتقادي الخالص بأن المحافظة على العلاقات الودية التي تقتضيها مصالح بريطانيا العظمى ومصر ستكون دائمًا محل اهتمام عظمتكم ومن يخلفكم من السلاطين.
ولي الشرف بأن أكون على الدوام لعظمتكم بكل احترام وإخلاص.
 القاهرة في ١٥ أبريل سنة ١٩٢٠، أللنبي فيلد مارشال". 

رسالة شكر من السلطان فؤاد إلى الملك جورج الخامس

فأرسل الملك فؤاد برقية شكر إلى الملك جورج الخامس ملك بريطانيا يشكره فيها على تعيين نجله الأمير فاروق وليًّا للعهد، وكان نص رسالة شكر السلطان فؤاد إلى ملك بريطانيا"
« القاهرة في 16 أبريل 1920. 
صاحب الجلالة الملك- لندرة:
أرجو جلالتكم التفضل بقبول فائق تشكراتي على البلاغ الذي قدمه إليّ اليوم بأمر جلالتكم ألفيكونت اللنبي نائب جلالتكم بمصر بحصول الاعتراف بنجلي الأمير فاروق ونسله من الذكور على قاعدة الأكبر من الأولاد فالأكبر من أولاده، وهكذا، وإن لم يوجد فيمن يولد لي من الذكور ومن يتناسل منهم من الذكور على نفس تلك القاعدة كأولياء عهد لي في حق تقلد السلطنة. وإني أنتهز هذه الفرصة لأؤكد لجلالتكم أن المحافظة على العلاقات الودية التي تقتضيها مصالح بريطانيا العظمى ومصر ستكون دائمًا محل اهتمامي، وأعتقد بأنني سأستطيع دائمًا الاعتماد على معاضدة جلالتكم الثمينة وجميل صداقتكم. 

رد الملك جورج الخامس على السلطان فؤاد

رد الملك جورج الخامس على السلطان فؤاد ببرقية وجيزة، أعرب فيها عن سروره لبرقية
السلطان قال:
" لندرة في ١٨ أبريل سنة ١٩٢٠
إلى عظمة السلطان:
قرأت مع خالص السرور برقية عظمتكم، وإني أؤكد لعظمتكم اهتمامي وتأييدي لكل ما يعود على مصر بتوفير أسباب السعادة، كما أني أؤكد صادق ما أتمناه شخصيًا لذات عظمتكم ولأسرتكم من العز والهناء
جورج" 

اعتراضات مصرية على تعيين فاروق وليًّا للعهد من قبل الاحتلال

ولا يخفى أن صدور نظام وراثة العرش عن دولة أجنبية هو من أخص مظاهر الحماية، بل هو التبعية بعينها، فكأن الحكومة البريطانية أرادت أن تسجل هذا المظهر في وثيقة رسمية، وكان هذا الوضع شاذًا، ومنافيًا للاستقلال، بل هادمًا للسيادة القومية والكرامة الوطنية، وكانت البرقيتان اللتان تبادلها السلطان فؤاد والملك جورج الخامس أدل على هذه المعاني، وإنك لتلمح من رد الملك جورج مبلغ الزراية والاستخفاف، وانتحال صفات جديدة للتدخل في شئون مصر، وفى الحق إن هذه الوثائق الثلاث ليست مما يشرف التاريخ.
وقد اعترض واحتج كثيرون على التدخل البريطاني في وراثة العرش كان في مقدمتهم الحزب الوطني، وقد وأصدر قرارًا بهذا الاحتجاج لم يستطع نشره في الصحف، فوزعه في نشرات خاصة مطبوعة، وأبلغه إلى معتمدي الدول في مصر، في خطاب قال فيه:
«أتشرف بأن أرفع إلى جنابكم القرار الذي أصدرته اللجنة الإدارية للحزب الوطني المصري راجيًا إبلاغه إلى حكومتكم الجليلة خدمة لحقوق الأمة المصرية السياسية، وهذا نصه:
" لقد نشرت «الوقائع المصرية»، وهي الصحيفة الرسمية للحكومة في عددها الصادر في ١٧ أبريل سنة ١٩٢٠ خطابًا من الجنرال أللنبي مؤرخا في ١٥ في الشهر الماضي خاصًّا بولاية عهد الحكومة المصرية، ثم أصدرت الحكومة منشورًا إلى موظفيها وأعلنت لهم فيه النبأ الخاص بولاية عهد مصر وطلبت إليهم التوقيع عليه اعترافًا للعلم بمدلوله.
وبما أن مسألة عرش مصر وما يتعلق به هي من المسائل الخاصة بالأمة المصرية وحدها دون غيرها، وبما أن إقدام الحكومة البريطانية على التدخل في شؤون مصر الخاصة في الوقت الذي تعمل فيه الأمة المصرية جميعا على استرداد استقلالها التام باذلةً في سبيل ذلك كل جهودها المشروعة بعد اعتداء صريحًا على أحكام القانون الدولي من جهة، وعلى مبادئ حرية الشعوب وحقوق الأمم الطبيعية من جهة أخرى، وبما أن الوسائل التي تتخذها الحكومة البريطانية في تنفيذ أغراضها السياسية إزاء مصر قائمة على سلطان قوتها وعلى الأحكام العرفية المعلنة منها؛ فإن جميع الأعمال الناتجة عنها تعتبر بغير شك غير مشروعة ولا جائزة؛ لأن الأمة وحدها هي المالكة للتصرف في جميع حقوقها السياسية.
وبما أن الأمة المصرية لا تزال ولن تزال متمسكة بحقوقها المقدسة وأنها لا تعترف لإنكلترا بمركز خاص في مصر يخولها أي حق أو أية صفة للتدخل في شؤون البلاد السياسية سواء كانت بخصوص العرش أو الوراثة أو غيره، وكذلك بما أن الأمة المصرية لا تزال تعمل على تحقيق مبدئها القاضي باستقلال مصر التام مع سودانها وملحقاتها استقلالًا غير مشوب باحتلال أو حماية أو وصاية أو أي تدخل أجنبي.
فاللجنة الإدارية للحزب الوطني ترى من واجبها عدم السكوت على كل عمل سیاسي يُراد به الافتئات على حقوق البلاد كلها أو بعضها؛ لذلك قررت بالإجماع:
 أولًا- الاحتجاج بشدة على جميع هذه الأعمال وما يماثلها.
ثانيًا- تبليغ وكلاء الدول الأجنبية وقناصلها العامين الممثلين لها في مصر هذا القرار لإبلاغه إلى حكوماتهم.
وتفضلوا..
وكيل الحزب الوطني/ على فهمي کامل".
وتلك كانت أول مرة (وآخر مرة) يعين فيها ولى عهد الدولة المصرية بقرار من الحكومة البريطانية.
أي إن الذي قرر تعيين الأمير الملك بعد ذلك فاروق وليًّا للعهد هو الفيلد مارشال اللنبي ممثل وقائد الاحتلال الإنجليزي في مصر نيابة عن ملك بريطاني جورج الخامس؛ فأي دولة تلك؟، وأي ملك ذلك الملك؟
المراجع:
منقول من كتاب " مقدمات ثورة 23 يوليو" للمؤرخ عبد الرحمن الرافعي.
جمال الغريدي

جمال الغرِّيدي
جمال الغرِّيدي
تعليقات