بعد نجاح حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952 م في السيطرة على زمام الأمور في مصر اتجه قادتها إلى الإسكندرية؛ حيث إقامة الملك فاروق الصيفية، وبعد نقاشاتٍ بينهم في مصير الملك بين من يريد إعدام الملك فاروق
![]() |
وثيقة تنازل الملك فاروق عن عرش مصر |
وبعد قرار الضباط الأحرار بنفي الملك فاروق خارج مصر تم الوصول إلى صيغة تنازل الملك فاروق عن العرش بعد نقاشات متعددة لصيغتها، وقد صاغ الوثيقة المستشار عبد الرحمن السنهوري رئيس مجلس الدولة، والمستشار سليمان حافظ وكيل مجلس الدولة ومستشار الرأي لرئاسة مجلس الوزراء ودیواني المحاسبة والموظفين.
وقد قدم وثيقة تنازل الملك فاروق عن العرش المستشار سليمان حافظ وذلك في قصر رأس التين في الإسكندرية في يوم السادس والعشرين من يوليو 1952 م ( 26 يوليو 1952 م)، ورفض المستشار سليمان حافظ مرافقة أحد من الضباط له؛ حتى لا يحدث احتكاك بينه وبين الضباط المحيطين بالملك فاروق أو الملك شخصيًّا لا سيما وأن جمال سالم كان يريد مرافقته إلى قصر رأس التين، والمعروف عن سالم أنه متشدد وانفعالي، وقد كتبت وثيقة تنازل الملك فاروق عن العرش على الورق الفخم الخاص بالأوامر الملكية.
ولم تكن هذه الوثيقة الأولى التي تقدم للملك فاروق للتنازل عن العرش، فقد قدمت وثيقة تنازل عن العرش أخرى للملك فاروق لكن فاروق لم يوقعها، اقرأ : وثيقة التنازل عن العرش التي لم يوقعها الملك فاروق.
وقبل أن نقدم نص وثيقة تنازل الملك فاروق عن عرش مصر، نقدم بعضًا من تفاصيل ما حدث، والذي رواه المستشار سليمان حافظ في تقريره المقدم إلى رئيس الوزراء علي ماهر في الحادي عشر من أغسطس 1952 م.
تقرير المستشار سليمان حافظ عن تنازل الملك فاروق عن العرش
" وقد استقللت احدى سيارات حرس الوزارة منطلقا إلى غايتي وأنا أتأمل في تصاريف القدر وعدالة السماء . وكيل مجلس الدولة - وهو الجهة التي يبغضها فاروق أشد البغض وعمل على تقويض أركانها الى آخر يوم من أيام ملكه ـ هو الذي يقع عليه اختيار القدر وتندبه عدالة السماء لاستيقاعه وثيقة النزول عن العرش.......
ومر حوالي ربع ساعة وأنا جالس في مكاني، والى جانب الطرقة اجتمع بعض الضباط وبينهم قليل ممن ظننتهم من المدنيين وعلمت فيما بعد إنهم من ضباط الحرس الخاص، ثم خرج الملك من الطرقة وهو يرتدى اللباس الصيفي الأدميرال في البحرية، وقصد المنضدة التي في وسط الصالة فنهضت عند رؤيته وقصدتها كذلك حتى التقينا في جانب منها فصافحني وأخرجت وثيقة التنازل من غلافها وقدمتها له فتناولها سائلًا عما اذا كانت محكمة الوضع من الناحية القانونية، فقلت: نعم والقى عليها نظرةً عاجلةً ثم سألني عن أسباب النزول عن العرش فقلت أننا استلهمناها من مقدمة الدستور.
وكان الملك يبدو هادئًا لكنني لاحظت من سرعة خطواته ومن سعلات قصيرة سريعة كانت تنتابه عند مجيئه أنه كان في حالة انفعال عصبي يعمل جهده للسيطرة عليه.
وعاد الى قراءة الوثيقة مرة ثم تناول قلمًا من جيبه وقرأها مرة أخرى كلمة فكلمة وقال: ألا يمكن إضافة كلمة ( وإرادتنا ) بعد عبارة « ونزولًا على إرادة الشعب ) قلت: لقد وضعنا نزولكم عن العرش في صورة أمر ملكي، قال: تريد أن تقول أن الأمر الملكي ينطوي على هذا المعنى، قلت: نعم، قال: فليس إذن ما يمنع من إضافة تلك الكلمة، فقلت: أننا لم نصل إلى الصيغة المعروضة عليه إلا بصعوبة، قال في اهتمام: إذن فقد كانوا يريدون مني أن أوقع ورقة أخرى، قل لي يا بيك: ماذا فيها؟، قلت: لم أطلع عليها، قال: أنت تمسك عن ذكر ما فيها حتى لا يجرح شعوري لكنني أعدك ألا أتأثر مما أسمع، فأكدت له بشرفي: أنني لم أطلع عليها، فوقع الأمر الملكي، ثم قال: لعلك تقدر الظروف فتلتمس لي العذر في أن التوقيع لم يكن كما أود ولذا سأوقع مرة أخرى، ثم وقع في أعلى الوثيقة، وهنا اعتذرت من عدم إمكاني الحضور بغير الملابس البيضاء التي كنت ارتديها وحاولت أن أهون عليه الأمر مشيرًا إلى قضاء الله والرضاء به فقال: لابأس لا بأس بلهجة فيها من الأسى والأسف بقدر ما فيها من حزن لاح على وجهه وقتئذ.
واقترب الأميرالاي أحمد كامل منا وقال للملك على مسمع منى: أنه حدثني في شأن بوللي والأميرالاي أحمد على حسين؛ فكرر الملك الرغبة في الإفراج عنهما باهتمام شديد كان من أثره أنني وعدته بالسعي لدى سيادتكم ولدى القائد العام لتحقيق رغبته.
وسألته: هل من رغبة أخرى؟، فقال: إن لديه في الخارج من المال ما يكفيه ليعيش عيشة بسيطة، ولكنه يرجو لو بقيت أمواله في المملكة المصرية على حالها حتى تؤول بالميراث إلى أولاده فإن تعذر ذلك فإنه يود أن توزع عليهم من الآن بنسبة حصصهم الميراثية فوعدته كذلك بالعمل بقدر المستطاع على تحقيق هذه الرغبة.
ثم صافحني وعاد الى الطرقة التي قدم منها واتجهت أنا نحو باب الصالة الخارجي، وقبل وصولي إليه أحسست بوقع أقدامه راجعًا فوقفت عسى أن يكون يريد إبلاغي في رغبة أخرى، وألتفت إلى جهته فوجدته يحدث أحد ضباطه فانصرفت عائدًا إلى رئاسة مجلس الوزراء وسلمتكم الأمر الملكي موقعًا من الملك السابق، وأبلغتكم رغبته في خصوص بوللي ومحمد حلمي حسين فأبديتم أنها عسيرة التحقيق إذ أن رجال الجيش لن يسلموا بهما.
لكني ذهبت إلى القيادة العامة برًا بوعدي وحادثت القائد العام والموجودين من ضباطه في رغبة الملك هذه فاعتذروا من عدم إمكانهم إجابة هذه الرغبة، أما الرغبة الأخرى فأظن أنها تحققت بالمرسوم بقانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٥٢ في شأن الحراسة على أموال الملك السابق.
وتفضلوا بقبول عظيم احترامي.
وكيل مجلس الدولة، ومستشار الرأي لرئاسة مجلس الوزراء ودیواني المحاسبة والموظفين سليمان حافظ.
نص وثيقة تنازل الملك فاروق عن العرش
«أمر ملكي رقم 56 لسنة 1952.. نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان.. لمًّا كنا نتطلب الخير دائمًا لأمتنا، ونبتغى سعادتها ورفاهيتها، ولما كنا نرغب رغبة أكيدة في تجنيب البلاد المصاعب التي تواجهها في هذه الظروف الدقيقة ونزولًا على إرادة الشعب.. قررنا النزول على العرش لولى عهدنا الأمير أحمد فؤاد، وأصدرنا أمرنا بهذا إلى حضرة صاحب المقام الرفيع على ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه»..
صدر بقصر رأس التين في ذي القعدة سنة 1371 (26/7/1952)."
وبهذا نكون قد عرفنا نص وثيقة تنازل الملك فاروق عن العرش، ومن صاغ وثيقة التنازل، ومن قدم وثيقة التنازل للملك فاروق؟ وماذا حدث قبل وخلال تقديم الوثيقة؟ وماذا فعل الملك فاروق، وماذا قال قبل توقيع وثيقة التنازل عن العرش؟ وكيف كانت الحالة النفسية للملك، وكيف وقع وثيقة التنازل؟
عرفنا كل هذه التفاصيل من خلال من صاغ ومن سلم الوثيقة للملك فاروق وهو المستشار سليمان حافظ، رحمه الله.
المراجع:
ذكرياتي عن الثورة- سليمان حافظ- دار الشروق 2010 م.
كنت رئيسًا لمصر- محمد نجيب- المكتب المصري الحديث- 1984.
جمال الغريدي
قل معلوماتك وعبر عن رأيك