من موضوعاتنا:

الملك فاروق واضطهاد مصطفى مشرفة

 من الأمور التي يجهلها الكثير من الناس هي اضطهاد الملك فاروق لعالم الذرة المصري المشهور مصطفى مشرفة.
نعرض في هذا المقال ما ذكره الدكتور محمد الجوادي في كتابه " مشرفة .. سيرة حياة" والذي يمكنكم تنزيله من رابط سريع ومجاني من هنا.
اضطهاد الملك فاروق للدكتور مصطفى مشرفة - كتاب مشرفة سيرة حياة
اضطهاد الملك فاروق للدكتور مصطفى مشرفة - كتاب مشرفة سيرة حياة
وكنا قد عرضنا في قناتنا على يوتيوب شهادة ابنته الدكتورة سلوى مشرفة عن هذا الأمر، ويمكنكم مشاهدة المرئي من هنا، وإلى ما أورده الدكتور محمد الجوادي في كتابه " مشرفة .. سيرة حياة".

مصطفى مشرفة وكيلًا لجامعة فؤاد الأول ( القاهرة)

" وشغل الدكتور مشرفة منصب وكيل الجامعة سنتين ونصفًا بدأت في الثاني من ديسمبر سنة خمس وأربعين وتسعمائة وألف (١٩٤٥) عندما انتهت مدة عمادة الدكتور محمد صالح، وكان وكيل الجامعة وقتذاك يُنتخب من بين العمداء للقيام بأعمال الوكالة بالإضافة إلى العمادة، وكان مشرفة أقدم العمداء وعلى هذا زكاه الدكتور علي إبراهيم باشا مدير الجامعة في جلسة المجلس وقال: «فإذا رأيتم الموافقة على اختياره لشغل هذه الوظيفة، انتهى الأمر، ولا نضيع الوقت في إجراء عملية الانتخاب، وعندئذ ذكر أحد الأعضاء أن الدكتور مشرفة نفسه كان من المعارضين لاختيار وكيل الجامعة بالتعيين فأجري الانتخاب وفاز مشرفة بتسعة أصوات والدكتور الساوي عميد الهندسة بتسعة أصوات والدكتور محمد مصطفى القللي عميد الحقوق بصوت واحد.
واعتذر الدكتور الساوي عن عدم ترشيح نفسه لوكالة الجامعة لأنه تقدم باستقالة للمدير من الكلية حتى يتفرغ لأعماله الخاصة، فأجري الانتخاب ثانية ففاز الدكتور مشرفة بعشرة أصوات، وأصرت ستة أصوات على اختيار الدكتور الساوي، وبطل صوتان لخلو الورقة، وبقي للدكتور القللي صوت واحد وهنا الدكتور علي إبراهيم مشرفة بالوكالة ورجا له التوفيق، ووقف مشرفة فقال: « أشكر السيد الرئيس، كما أشكر حضرات الزملاء الذين انتخبوني وأرجو أن أكون عند حسن ظنهم بي، كما أني أشكر لحضرات من لم ينتخبوني أيضًا، وأرجو الله أن يوفقني لإرضائهم".
وانتهت وكالة مشرفة للجامعة عندما أصدرت الحكومة في السادس من يونيو سنة ثمان وأربعين وتسعمائة وألف (١٩٤٨) قانونًا يقضي بأن يكون وكيل الجامعة بالتعيين، ووقع الاختيار على الأستاذ مصطفى عامر ليكون أول وكيل للجامعة بالتعيين، وعين في هذا المنصب على الرغم من أن مشرفة كان منتخبًا لمدة ثلاث سنوات لا تنتهي إلا في الثاني من ديسمبر سنة ثمان وأربعين وتسعمائة وألف (١٩٤٨).

حرمان الدكتور مصطفى مشرفة من منصب مدير الجامعة

" وكان لمشرفة طموح في أن يتولى منصب مدير الجامعة، وقد كان الطريق العلمي الذي اختطه لنفسه مؤديًا به إلى ذلك المنصب لا ريب، وبخاصة أنه تولاه فترة من الزمن على سبيل النيابة، غير أن حرمان هذا المنصب من مشرفة لم يكن إلا خطوة من خطوات طريق آخر رسمته السراي الملكية للقضاء على علي مصطفى مشرفة، وذلك أن مشرفة كان وكيلًا للجامعة حين كان علي باشا إبراهيم مديرًا للجامعة فلما مرض رحمه الله قام مشرفة بأعمال المدير بكفاءة واقتدار.

منح مصطفى مشرفة لقب الباشوية

ومُنح في أثناء ذلك الباشوية في الحادي عشر من فبراير سنة ست وأربعين وتسعمائة وألف (۱۹٤٦) إذ كان من المقرر أن يزور الملك عبد العزيز آل سعود الجامعة المصرية ضمن ما سيزور من معالم مصر، ولم يكن أمام السراي إلا أن تمنح رأس الجامعة- الذي وقف خطيبًا في استقبال عاهل السعودية رتبة الباشوية، وهكذا شاء الله لمشرفة أن يكون باشا رغم أنف السراي.
ولم يتلق مشرفة نبأ منحه الباشوية بالسعادة التي يتلقى بها الباشوات هذا النبأ، ولم يكن في ذلك إلا صورة أخرى من مشرفة الذي لم يسعد بالبكوية في ١٩٣٦، وكان حين منح الباشوية يستقل المطار عائدًا من الصعيد بعد قضاء إجازة نصف السنة، ففوجىء بطلبته يهرولون إليه يهنئونه بالباشوية وهو جالس في مقعده من القطار لم يقرأ بعد صحف الصباح التي حملت النبأ فلما وصل القاهرة وخرج إلى رصيف المحطة استقبله أخوه الدكتور عطية وسلم عليه وهنأه بالباشوية فغضب مشرفة من أخيه لذلك، ولما استقر به المقام في الجامعة أتته أفواج الأساتذة تترى يهنئونه باللقب فكان يعجب لهم ولا يفتأ يستنكر عليهم أن يهنئوا دكتورًا بالباشوية، كأن الباشوية أعظم من الدكتوراه ثم إن مشرفة لم يذهب إلى السراي ليقدم الشكر على الإنعام الملكي الكريم كما هي العادة في مثل هذه الأمور، وأضاف مشرفة بفعلته هذه بلة إلى بلات كثيرة سبق أن أضافها إلى الطين حين أكثر من انتقاد التصرفات العابثة للمليك المفدى!

تعيين أستاذ أحدث من مصطفى مشرفة مديرًا للجامعة

وفي الثاني من ديسمبر سنة سبع وأربعين وتسعمائة وألف (١٩٤٧) صدر قرار بتعيين الدكتور إبراهيم شوقي مديرا للجامعة، وكان عميدا لكلية الطب، غير أنه كان أحدث
في الأستاذية والعمادة من الدكتور مشرفة عميد العلوم ووكيل الجامعة المنتخب، والقائم بأعمال المدير، وأقدم العمداء، وكان لهذا القرار أسوأ الأثر في نفسية مشرفة، وما إن
انتصفت السنة التالية (سنة ثمان وأربعين) حتى صدر قرار آخر أبعد مشرفة عن كرسي
وكالة الجامعة كما ذكرنا منذ قليل.

تأثر نفسية مصطفى مشرفة بسبب الظلم الملكي

ولم يكن بد من أن تؤثر هذه الضربات المتلاحقة في نفسية مشرفة أسوأ تأثير، وأن تؤثر على صحته أخطر تأثير، وأن تؤثر في روحه أشد تأثير، وأن تقصر بعد ذلك في عمر مشرفة عما توقعه الناس لا عما كتبه الله في اللوح المحفوظ.
ولكن مشرفة لم يسلم سلاحه لأعدائه فبقي في العمادة يحقق ما يؤمله لكليته من مجد وسؤدد، وبقي في كل موقع استطاع أن يحتله من قبل يصلح ما وفقه الله للإصلاح وأعانه عليه، غير أنه كان لا يخفي ضيقه ولا يظهر رضاه عن وضعه، وضعه، فأبرق إلى أخيه الدكتور مصطفى يطلب إليه أن يتصل بمحرر مجلة الطبيعة (Nature) فيبلغه رغبة مشرفة في تقلد وظيفة من وظائف اليونسكو!

عراقيل في طريق سفر مشرفة إلى أمريكا

ولم تكن المضايقات التي تعرض لها مشرفة في هذين المنصبين من مناصب الجامعة إلا امتدادا لتعنت السراي ضد مشرفة، والذي بدا واضحًا في مسألة سفره إلى أمريكا، وذلك أن الحكومة الأمريكية اختارت مشرفة عضوًا في اللجنة الدولية للأبحاث الذرية، ومن ثم دعته جامعة برنستون (Princeton) كأستاذ زائر لإلقاء سلسلة من المحاضرات عن الذرة، وفرح مشرفة أشد الفرح لا لهذه المكانة التي استحقها عن جدارة فحسب، ولكنه فرح أيضًا لهذا المنفذ الذي جاءه وهو في مسيس الحاجة إليه بعد ما شعر من ضيق صدره في مصر، وكانت جامعة برنستون هذه تضم عددًا كبيرا من أساتذة علوم الرياضة والطبيعة والذرة على رأسهم أينشتين، وليد زبلاك، ويوجين وهم العمد الرئيسية الثلاثة في مشروع مانهاتن للذرة الذي أقامه أيزنهاور عام ۱۹۳۹ أملًا في تطويع الذرة فحقق أكثر من أمله عندما قدم القنبلة الذرية التي لم تطوع الذرة فحسب، وإنما طوعت العالم بأسره، وأنهت الحرب العالمية الثانية.
ولقد كان ذهاب مشرفة إلى برنستون ولو لسنة واحدة فرصة ذهبية تمكنه من الإدلاء
بدلوه في الأبحاث الذرية المتقدمة مشركًا اسم مصر في أخطر الإنجازات العلمية.
وبعد لأي وافق مجلس الوزراء المصري في الثلاثين من مارس سنة سبع وأربعين
وتسعمائة وألف (١٩٤٧) على سفر الدكتور مشرفة إلى لندن ثم إلى سويسرا ثم إلى أمريكا، على أن تتحمل الحكومة نفقات سفره إلى لندن، وأن يتحمل سعادته الفرق الناشئ عن مروره بسويسرا، وأن تتكفل أمريكا بإقامته ومصاريفه فيها حسبما عرضت.
وبعدها بثلاثة أيام وبينها مشرفة يستقل الطائرة في طريقه إلى لندن في اليوم الثاني من إبريل إذا بالدكتور عبد السلام الكرداني سكرتير عام الجامعة يبلغه أن الملك قد ألغى
قرار مجلس الوزراء الخاص بندبه أستاذًا زائرًا الجامعة برنستون ابتغاء منعه من السفر، ولكن صاحبنا صمم على مواصلة سفره رغم هذا الإلغاء الملكي الكريم، فلما وصل إلى لندن شعر بتعب ففضل البقاء في سويسرا للعلاج حتى عافاه الله فعاد إلى مصر من دون أن يزور أمريكا.

الملك فاروق يرفض تحويل أموال لمشرفة المريض في سويسرا

ولما كان مشرفة في سويسرا احتاج إلى مال يستكمل به علاجه، ولم يكن بد من تحويل هذا المال إليه من مصر، وكان مثل هذا التحويل يقتضي موافقة الدولة، عندئذ وقف الملك من خلال هذا الإجراء الروتيني في وجه مشرفة، ورفض السماح لأسرة مشرفة بتحويل مالها الخاص لمريضها الذي يعالج في خارج وطنه!
جمال الغرِّيدي
جمال الغرِّيدي
تعليقات