من موضوعاتنا:

لماذا أغلق الملك فاروق منجم السكري؟

في سنة 1948م قرر جلالة الملك فاروق إغلاق منجم السكري للذهب بعد أن زاره وعلم أنه ثاني أكبر منجم ذهب في العالم، وقد أمر الملك فاروق بإغلاقه قائلًا: "هذا من حق الأجيال القادمة؛ حتى ينعموا في خير أجدادهم، وليعلموا أننا لم نفرط في ثروات مصر".
لماذا أغلق الملك فاروق منجم السكري
لماذا أغلق الملك فاروق منجم السكري
كانت هذه الفقرة الصغيرة أحد منشورات إحدى الصفحات الممولة لمحبي العصر الملكي في موقع  فيس بوك، وبحسب المنشورات المتداولة فإن الملك فاروق رأي حينها أن البلاد لديها ما يكفيها من ثروات، وليس هناك ما يدعو للمساس بثروات أخرى جديدة، 
 وللأسف الشديد أن هذا المنشور صُدق من العامة وتم مشاركته من عشرات الآلاف من الناس، ثم أصبح هذا المنشور وكأنه الشمس الساطعة التي لا يستطيع أحد إنكارها، ويتم نشره بلا حدود بدون أدنى مراجعة لصحة الخبر ومدى صدقه، ستجد ملصقات تتحدث عن إغلاق الملك فاروق منجم السكري- وغالبًا ما تحتوي على الفقرةِ المذكورة أعلاه- في منشورٍ، في تعليقٍ، في قصةٍ، في تغريدة، في فيديو، في محادثة، في تسجيلٍ، بل انتقل الحديث عن منجم السكري إلى الواقع، وصار مادة للتحسر على الماضي الخيالي حيث مصر الملكية، وقوة الاقتصاد والرفاهية لدرجة دفعت الملك فاروق إلى إغلاق منجم السكري؛ لتوفير الذهب وبالتالي الرخاء والرفاهية للأجيال القادمة.
سنحاول في مقالنا هذا توضيح حقيقة إغلاق الملك فاروق لمنجم السكري، والأسباب الحقيقة لإغلاق منجم السكري، وذلك بالوثائق وهذا الجزء النقلي، وبالنقاش والحوار وهذا الجانب العقلي، 

 لماذا يغلق الملك فاروق منجم السكري؟

- ألم يسأل من ألف المنشور، ومن نشره، ومن شاركه، ومن صدقه، ومن يعيد نشره، ما فائدة؟ وما جدوى غلق منجم ذهب في بلد شديد الفقر يسيطر عليه الفقر والجهل والمرض؟
- ألم يسألوا أنفسهم ما فائدة جعل المنجم للأجيال القادمة إذا كانت الأجيال الحالية تعيش في بؤس وضنك؟!
- ألم يسألوا أنفسهم كيف لحكومة أن تغلق أحد مصادر دخلها وإنفاقها؟
ألم يسألوا أنفسهم لماذا لم يستثمر جلالته عوائد المنجم في التعليم والصحة والزراعة والصناعة والبنى التحتية والمرافق واستثمارها في مجالات كهذه ستعود بالنفع على الأجيال الحالية- آنذاك- والقادمة بأفضل النفع؟
- لماذا لم يستثمر جلالته عوائد منجم السكري في نشر المدارس التي كانت محدودة الانتشار، وتعميم التعليم والإلزام به وفرض مجانية التعليم الثانوي الذي لم يجعل مجانيًّا سوى في سنة 1950 ، أو جعل التعليم الجامعي مجانيًّا؛ التعليم الجامعي الذي عندما طالب طه حسين بجعله مجانيًّا اتهمه الملك فاروق بأنه يريد نشر الشيوعية في مصر، ولم يتم جعل التعليم الجامعي مجانيًّا سوى في الستينات، كان الملك فاروق يستطيع بعوائد منجم السكري أن يقضي على الأمية التي بلغتها نسبتها أكثر من 90%...
ألم يسألوا أنفسهم لماذا لم يبن جلالته بعوائد المنجم السد العالي فيقي البلاد والعباد شر الفيضان والجفاف؟ لماذا لم يستصلح به الأراضي لا سيما والمياه متوفرة وقتها؟ لماذا لم يطور به حال الزراعة والمزارعين.
- لماذا لم يستثمر جلالة الملك فاروق عوائد منجم السكري في إنشاء المستشفيات، وزيادة الأطباء بدلًا من عمل الحلاقين في علاج الناس الحلاق الذي كان المصريون يسمونه الحكيم، وعلاج الأمراض التي كان مصر مضربًا للمثل بها مثل البلهارسيا والجلاكوما....
- لماذا لم ينشأ جلالة الملك فاروق بعوائد منجم السكري مصنعًا للحديد والصلب؛ وبذلك سيكون وضع مصر حديد وذهب، لماذا لم ينشأ جلالة الملك فاروق وينشر المصانع بمختلف أنواعها وأحجامها؛ وبذلك يكون حال مصر ذهب وحديد وكل المعادن؟ لماذا لم يقم مصنعًا للطرابيش بدلًا من مصنع جمعية القرش، تلك الجمعية التي كانت مهمتها إنشاء مصانع عن طريق التبرعات بقرش للصناعة.
- لماذا لم يستخدم جلالته عوائد منجم السكري في بناء الجيش الذي هُزم في نفس السنة سنة 1948 م من العصابات الصهيونية، وأقيم الكيان الصهيوني على 78% من أرض فلسطين؟ لماذا لم يشتري به سيارات للجيش الذي ذهب إلى فلسطين في سيارات المدنيين بعد السيطرة عليها من الشوارع؛ لأن الجيش لم يكن لديه ما يكفي من السيارات؟ لماذا لم يشتري جلالته بالذهب أسلحة للجيش بدلًا من شراء الأسلحة القديمة من هنا وهناك أو جمعها من مخلفات الحرب العالمية الثانية من الصحراء الغربية؟!!!
- لماذا لم يسدد بالذهب عجز الميزانية الذي بلغ في آخر سنوات جلالته 40 مليون جنيه؟ لماذا لم يزد بذهب منجم السكري احتياطي مصر من الذهب؟ لماذا لم يقوي جلالة الملك فاروق الاقتصاد الذي يتحدث البعض عن قوته؟ لماذا لم يرفع بذهب منجم السكري الناتج المحلي الإجمالي الذي حققته فيه مصر المركز التاسع والأربعين ( 49) من مجموع اثنين وخمسين ( 52) دولة بعد الإغلاق المزعوم أي سنة 1949؟
- لماذا لم يستخدم جلالة الملك فاروق عوائد منجم السكري في القضاء على الحفاء، وقد قاد الملك فاروق مشروع مكافحة الحفاء الذي فشل ولم يحقق أهدافه، لماذا لم يستخدم الملك فاروق عوائد ذهب السكري في تسليف المزيد من الأموال لبريطانيا العظمى، أو المساعدة في إعادة إعمار أوربا؟!!
 - لماذا لم يرفع الملك فاروق الذهب من السكري فيرفع به حال المواطن المصري؛ المواطن المصري الذي كان يعيش عيشة البهائم كما يقول بك في الصورة أسفله؟، لماذا لم يعالج الذهب فيعالج به المصريين من الأمراض؟ لماذا لم يضع الذهب في الصناديق ليضع الأحذية في أقدام المصريين؟ لماذا لم يبني بالذهب بيوت للمصريين بدلًا من العشش والخصوص؟ لماذا لم يستخدم منجم السكري ليجعل حياة الشعب سكر؟ لماذا ولماذا ولماذا؟!!!!
لو أعمل هؤلاء عقولهم لوجدوا فوائد جمة للحاليين واللاحقين من تشغيل منجم السكري، واستثمار عوائده بدلًا من غلقه، فلماذا يغلق الملك فاروق منجم يأت لبلاده بالذهب؟ إن فوائد تشغيل منجم السكري لا تعد ولا تحصى لكن العقول التي تتصور أنه أُغلق هي المغلقة.

متى تم إغلاق منجم السكري؟ 

بالفعلِ تم إغلاق منجم السكري لكنه أغلق في الخمسينات حسب: 
- ما يذكر المهندس عصمت الراجحي مدير العلاقات العامة بشركة سنتامين- صاحبة حق تشغيل منجم السكري في حديثه: " إن إغلاق المنجم في الخمسينات كان بعد ثورة يوليو وليس قبلها وتحديدًا عام 1954، وكان قرارًا من الشركة الفرنسية صاحبة الامتياز، وذلك بسبب انعدام الجدوى الاقتصادية.. وبالتحدي نفاذ عروق الكوارتز الحاملة لخام الذهب".
- صورة من ميزانية مصر سنة 1952 م توضح في أحد بنودها وجود عائدات من استغلال محجر البازلت ومنجم السكري في ميزانية 1951- 1952 تقدر بحوالي: 240 ألف جنيه.
ميزانية مصر سنة 1952 توضح وجود عائدات من منجم السكري وبالتالي الملك فاروق لم يغلق منجم السكري
 ميزانية مصر سنة 1952 توضح وجود عائدات من منجم السكري وبالتالي الملك فاروق لم يغلق منجم السكري
إذا إغلاق منجم السكري تم بعد قيام ثورة يوليو وليس في عهد الملك فاروق وذلك حسبما تؤكد المصادر التي تعمل في مجال الذهب، وميزانية مصر 1951 - 1952 م؛ وبالتالي لا دخل للملك فاروق بهذا الحكاية المضحكة.
عرفنا متى أغلق منجم السكري، والآن نعرف:

 لماذا أغلق منجم السكري؟

سنعرف الإجابة من مصادر موثوقة علمية، وليست من منشورات مواقع التواصل المجهولة من أشخاص مجهولين:
- تجيب عن هذا السؤال جريدة أخبار اليوم في عددها الصادر في يوم ٢٣ فبراير ١٩٧٤ تحت عنوان:" إعادة فتح منجم الذهب في مصر بعد ارتفاع أسعاره"، وفي التفاصيل نقرأ السبب الذي يبطُل به العَجب:  " كانت مصر قد اضطرت لإغلاق هذا المناجم بسبب التكاليف العالية حيث كان طن التراب يُعطي 4 جرامات ذهب فقط "!
- رئيس هيئة الثروة المعدنية الأسبق الدكتور عبد العال عطية قال في تصريحات تليفزيونية لقناة صدى البلد: " إن أي أحاديث حول إغلاق الملك فاروق لمنجم السكري للحفاظ عليه للأجيال القادمة غير صحيحة بالمرة، وأن المناجم توقفت بسبب عدم وجود اقتصاديات تشغيل في تلك الفترة، وأنه من الناحية الفنية تكلفة إنتاج أوقية الذهب وقتها كانت تتخطى قيمة بيعها"، هذا نص ما قاله رئيس هيئة الثروة المعدنية وليس رئيس هيئة صفحات الفيس بوك الممولة.
إذا تم إغلاق منجم السكري؛ لأن تكاليف استخراج الذهب عالية، والمستخرج ضعيف، ولا تغطي أسعار الذهب المستخرج تكاليف الاستخراج، ولم يكن إغلاق السكري من أجل الأجيال القادمة أو السابقة- هذه الحجة التافهة السفيهة غير المقنعة وغير المنطقية- بل لأن قيمة الذهب المستخرج لا تساوي قيمة استخراجه، فليس من المنطقي صرف ١٠٠٠ جنيه من أجل جنيهات قليلة.
هناك سؤال آخر عن كمية الذهب المستخرجة من منجم السكري في القرن الماضي، ويجيب عن ذلك الدكتور محمد إبراهيم محمد خطاب مدرس الجغرافيا الطبيعية بكلية الآداب بجامعة القاهرة، في كتابه "منطقة منجم السكري لتعـدين الـذهب- صحراء مصر الشرقية، دراسة جيومورفولوجية باسـتخدام الاستشـعار، عن بعد ونظم المعلومات الجغرافيـة": 
" وتقدر كمية الذهب المستخرجة من المنجم في الفترات التاريخية السابقة بنحو ١٠٠٠ كجم، كما تم تعدين الذهب على فترات متقطعة من القرن العشرين، وبلغ إجمالي كمية الذهب الذي تم تعدينه خلال القر ن العشرين ٤٧٦٨ كجم".
إذًا الإنتاج السنوي من منجم السكري خلال القرن العشرين لم يبلغ 50 كيلو سنويًّا، وربما هذا يفسر إغلاق الشركة صاحبة الامتياز لمنجم السكري في منتصف القرن العشرين. 
ببساطة وفي النهاية نقول:

لماذا لم يشغل الضباط الأحرار منجم السكري؟

- لو كان منجم السكري ذو جدوى في إنتاجه من الذهب؛ لما تركته الحكومات الملكية أو الحكومات اللاحقة عليها بعد ثورة يوليو ١٩٥٢، ولفتح واستفيد من ذهبه في مجالات التنمية المختلفة بمناسبة الذهب والفضة هناك سؤال مكرر وهو هل سرق جمال عبد الناصر نياشين وأوسمة الملك فاروق؟
- إذًا لم يكن الضباط الأحرار ناصر ورفاقه لصوصًا، ولو كانوا ذلك؛ لفتحوا منجم السكري وسرقوه.
سبب إغلاق منجم السكري في عهد الملك فاروق.
سبب إغلاق منجم السكري في عهد الملك فاروق.
بالفعل أغلق منجم السكري لكن إغلاق أسباب غلق منجم السكري ليست كما يقولون.
ألم يأن للكاذبين أن يتوبوا عن اختلاق الأكاذيب ونشرها ؟ وألم يحن للجهلة أن يتوقفوا عن ابتلاع كل ما يلقى فيهم من أكاذيب من هنا وهناك، ويضعوا منقيات عقلية؟ ألم يحن للدولةِ أن تحمي عقول شبابها بمنعِ الأكاذيبِ ونشرها، ولذلك عدة وسائل قانونية تمنع البث لتلك الأكاذيب، وتثقفية بنشر الحقائق ووثائقها ومصادرها؟
نتمنى أن نكون بمقالنا هذا قد ساعدنا من يبحث:
منجم السكري.
لماذا أغلق الملك فاروق منجم السكري؟
إغلاق منجم السكري.
أسباب إغلاق منجم السكري.
إنجازات الملك فاروق.
الاقتصاد المصري في عهد الملك فاروق.
مصر العظمى 1805- 1952 م.
المملكة المصرية.
* المراجع:
- حديث  صحفي للمهندس عصمت الراجحي مدير العلاقات العامة بشركة سنتامين المشغلة لمنجم السكري.
- حديث الدكتور عبد العال عطية رئيس هيئة الثروة المعدنية الأسبق لقناة صدى البلد.
- جريدة أخبار اليوم عدد 23 فبراير 1974.
- منطقة منجم السكري لتعـدين الـذهب- صحراء مصر الشرقية، دراسة جيومورفولوجية باسـتخدام الاستشـعار، عن بعد ونظم المعلومات الجغرافيـة- محمد إبراهيم محمد خطاب- حوليـة كليـة الآداب جامعـة بنـي سويف.
"عام 1948 قرر جلالة الملك فاروق إغلاق منجم السكري للذهب؛ لأنه حق للأجيال القادمة حتى ينعموا في خير أجدادهم، وليعلموا أننا لم نفرط في ثروات مصر" ما مدى صحة هذا الكلام؟ هل هو حقيقيٌ؟ هل حدث بالفعل ذلك الإغلاق لمنجم السكري؟ وما أسباب الحدوث من عدمه؟ هل هناك معلومات موثقة لا نعرفها عن ذلك؟
جمال الغريدي
جمال الغرِّيدي
جمال الغرِّيدي
تعليقات