كثير من الأكاذيب التي قيلت حول جمال عبد الناصر بالسلب والإيجاب لكن من أكثر الأكاذيب إثارة كان القول بأن: الرئيس جمال عبد الناصر قد أمر بضرب الطلبة بالطيران في مظاهرات الطلبة في عام ١٩٦٨م، وكان الموضوع مثيرًا في ذكره، وفي أن من قال
 |
| هل أمر جمال عبد الناصر بضرب الطلبة بالطيران أثناء مظاهرات 1968؟ |
هل أمر جمال عبد الناصر بضرب الطلبة بالطيران- انتفاضة ١٩٦٨م؟
سنحاول في مقالنا هذا نقاش مدى صحة كلام اللواء مصطفى الحفناوي قائد القوات الجوية الأسبق من مختلف النواحي ومدى صحته نقلًا من حيث متانة الرواية ووجود شهود عليها أو ما يشير إليها في الوثائق والأدلة، وعقلًا من حيث مدى صحته ذلك ومعقوليته وإمكانية تنفيذه، كما سننظر للأمر من ناحية إنسانية حيث شخص الرئيس جمال عبد الناصر وأخلاقه وقيمه وهل يمكنها أن تأمر بهكذا تصرف ضد الطلبة أو غيرهم لا سيما في سنة ١٩٦٨ حيث الجبهة المشتعلة والأوضاع الداخلية الملتهبة.مظاهرات الطلبة في مصر سنة ١٩٦٨ وتصرف جمال الناصر حيالها
شهدت مصر مظاهرات كبيرة سنة ١٩٦٨ وذلك بعد صدور أحكام مخففة ضد قادة الطيران الذين قصروا في أداء مهامهم في أثناء نكسة يونيو سنة ١٩٦٧، وقد امتدت هذه المظاهرات في مختلف أنحاء الجمهورية في المدارس والجامعات والمعاهد، وقد قام بها الطلبة الذين امتلكوا حسًّا وطنيًّا وقوميًّا عظيمًّا، وقد استفادوا من مجانية التعليم وانتشاره وتوسع الطبقة الوسطى وتأكيدها، وتميزوا بوجودهم في فترة سادت مصر فيها عدالة اجتماعية لم تشهدها من قبل أو بعد على الأقل في التاريخ الحديث؛ وقد أدى هذا نشوء حركة طلابية مصرية فعالة وقفت ضد السلطة لسنوات تالية لا سيما في انتفاضة ١٩٧٧ الشهيرة.
وأيضًا قامت مظاهرات الطلبة في سنة ١٩٦٨ م في مصر في نفس السنة التي شهدت مظاهرات كبيرة وعارمة للطلبة في فرنسا؛ تلك المظاهرات التي أجبرت شارل ديجول على ترك حكم فرنسا.
ولا يمنع أن مظاهرات الطلبة في مصر سنة ١٩٦٨ قد حاول البعض استغلالها وإخراجها عن سياقها لا سيما مع وجود عداوات متأصلة لجمال عبد الناصر وسياساته التحررية والاشتراكية داخل مصر وخارجها، وربما رأى بعضهم فرصة للتخلص من الرجل وإرجاع نفوذهم ومميزاتهم التي أجبروا على تركها. هل قرأت؟ ذات يوم 23 نوفمبر ١٩٦٨..مظاهرات فى هندسة الإسكندرية.. وناصر يرفض اقتحام الكلية
اللواء مصطفى الحناوي الذي رفض طلب ناصر ضرب الطلبة بالطيران
قبل أن نناقش مدى صحة هذا الكلام، وجب التذكر بأن اللواء مصطفى الحناوي تولى قيادة القوات الجوية في نوفمبر ١٩٦٧، وذلك بعد إقالة الفريق أول مدكور أبو العز، نتيجة خلافات متراكمة بينه وبين وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الفريق/ محمد فوزي فقرر عبد الناصر إقالة مدكور أبو العز وإحالة تسعة عشر من قيادات القوات الجوية للمعاش، وتولي رتبة أقل من رتبة وزير الحربية قيادة القوات الجوية، ووقع الاختيار على العميد مصطفى الحناوي لقيادة القوات الجوية، والعميد علي بغدادي لرئاسة الأركان، وظل الحناوي قائدًا للقوات الجوية من ٢ نوفمبر ١٩٦٧ إلى ٢٢ يونيو ١٩٦٩.
البطل مصطفى الحناوي الذي رفض ضرب الطلبة بالطيران
يبدو إذا أننا أمام بطل غير عادي رفض تنفيذ أوامر رئيسه بضرب الطلبة في المدارس والمعاهد والجامعات بالطيران سنة ١٩٦٨، بطل لم يتم إزاحته من منصبه حيث ظل قائدًا للقوات الجوية لما بعد البطولة بشهور، بطل خرج من الخدمة ليحصل على كامل حقوقه ويحيى حياة هنيئة، بطل لم يُسجن لم يُعتقل، لم تُصادر له أموال، لم يمنع عنه معاش، بطل لم يُهدم له منزل، لم يُطارد ولم يمنع من سفر، بطل لم يُصاب لم يبتر له طرف، بطل لم يُسب لم يُجند الإعلام ضده، بطل لم يكتب مذكراته ويعرض وثائق البطولة، بطل خرج علينا ليتكلم عن بطولته بعد الأحداث بما يزيد عن٢٠ سنة، بطل لم يواجه من أمروه بذلك بل رفض وهم سكتوا وهم من هم في اتهامهم بالطغيان والاستبداد، بطل لا شهود له على بطولته ولا دليل، بطل خرج في زمن النيل والسلخ لينال ممن كانوا ضده في بطولته، بطل خرج من القصر ليهاجم من في القبر... أي بطولة هذه؟!!
نقاش حول أمر جمال عبد الناصر بضرب الطلبة بالطيران في ١٩٦٨
سنحاول هنا أن نناقش كلام اللواء الحناوي ومدى مصداقيته، ماذا عن كلام اللواء مصطفى الحناوي إذا وضعناه في ميزان المنطق؟ في ميزان التوثيق؟ في ميزان الواقع؟ يمكننا أن نقيس كلام الحناوي ومدى صحته ومنطقيته وواقعيته بالأسئلة والنقاط الآتية: |
| مصطفى الحناوي يقول أن جمال عبد الناصر أمر بضر الطلبة بالطيران في مظاهرات 1968 |
2- كيف ترك الرئيس جمال عبد الناصر مصطفى الحناوي قائدًا للقوات الجوية من نوفمبر ١٩٦٨ حتى يونيو ١٩٦٩ م؟ لماذا لم يعزله؟ كيف يثق في قائد رفض تنفيذ أوامره؟ أكان عبد الناصر سيتركه يتصرف على هواه، لا سيما بعد أن فهم ناصر جيدًا دروس النكسة وما قبلها، المتمثلة في سيطرة شلة على القوات المسلحة؟
3- كيف ولماذا لم يقدم الرئيس جمال عبد الناصر اللواء مصطفى الحناوي لمحاكمة إثر رفضه تنفيذ أوامر عسكرية صادرة إليه من قائدته، لا سيما فيما يروج على أن نظام عبد الناصر كان نظامًا ديكتاتوريًا مستبدًا؟ بل إن عزل أو عزل ومحاكمة من يرفض تنفيذ الأوامر العسكرية شيء عادي وتلقائي في دولة وعند أي نظام.
4- ألا يعني رفض قائد عسكري كبير تنفيذ أوامر عسكرية ضد متظاهرين أنه معهم أو مؤيد لأفكارهم وقد يساعدهم في تحقيق غايتهم؟ هل كان لرئيس جمهورية أن يترك قائد عسكري مؤيد لمتظاهرين ضده أو ضد بعض إجراءته في منصبه؟ ألن يقلق منه؟ ألن يشعر بالتهديد؟ ألن يخاف من اتساع التمرد بين القادة لا سيما في وجه حراك شبابي في الشارع؟
5- لماذا لم تنفذ هذه الأوامر بدون موافقة قائد القوات الجوية، إذ أن الأوامر صادرة من القائد الأعلى وكان يمكن للقائد العام تنفيذها من خلال رئيس أركان القوات الجوية وباق قادتها حتى مع رفض قائد القوات الجوية؟ لماذا لم يعزل قائد القوات الجوية فورًا ويحول للمحاكمة ويعين قائد جديد ينفذ هذه الأوامر؟ هل قرأت؟ هل رفض الملك فاروق إراقة الدماء وقتال الجيش المصري في يوليو 1952؟
6- يذكر اللواء الحناوي أن الأوامر صدرت إليه هاتفيًا، فهل يمكن لأوامر كهذه أن تصدر هاتفيًا وبدون وثائق واجتماعات وخطط مكتوبة وخرائط جاهزة ومراكز عمليات مجهزة؟
7- يزعم اللواء مصطفى الحناوي أن تلك الأوامر، صدرت إليه من الفريق محمد فوزي مباشرة فهل يمكن أن يصدر القائد العام أمرًا لقائد القوات الجوية بدون أن يصدره إلى رئيس الأركان المنوط به مثل هكذا أوامر؟
8- هل كان حجم المظاهرات ومدى انتشارها يستوجب تدخلًا للطيران؟ ولماذا انتهت المظاهرات وفُضت الاعتصامات بدون الحاجة لضربات الطيران؟
5- لماذا لم تنفذ هذه الأوامر بدون موافقة قائد القوات الجوية، إذ أن الأوامر صادرة من القائد الأعلى وكان يمكن للقائد العام تنفيذها من خلال رئيس أركان القوات الجوية وباق قادتها حتى مع رفض قائد القوات الجوية؟ لماذا لم يعزل قائد القوات الجوية فورًا ويحول للمحاكمة ويعين قائد جديد ينفذ هذه الأوامر؟ هل قرأت؟ هل رفض الملك فاروق إراقة الدماء وقتال الجيش المصري في يوليو 1952؟
6- يذكر اللواء الحناوي أن الأوامر صدرت إليه هاتفيًا، فهل يمكن لأوامر كهذه أن تصدر هاتفيًا وبدون وثائق واجتماعات وخطط مكتوبة وخرائط جاهزة ومراكز عمليات مجهزة؟
7- يزعم اللواء مصطفى الحناوي أن تلك الأوامر، صدرت إليه من الفريق محمد فوزي مباشرة فهل يمكن أن يصدر القائد العام أمرًا لقائد القوات الجوية بدون أن يصدره إلى رئيس الأركان المنوط به مثل هكذا أوامر؟
8- هل كان حجم المظاهرات ومدى انتشارها يستوجب تدخلًا للطيران؟ ولماذا انتهت المظاهرات وفُضت الاعتصامات بدون الحاجة لضربات الطيران؟
9- هل لم تكن الشرطة قادرة على التعامل مع مظاهرات الطلبة؟ لماذا لم يؤمر جمال عبد الناصر قوات برية من الجيش كالشرطة العسكرية وقوات المشاة بالتعامل مع مظاهرات الطلبة، ويذهب ليؤمر قائد القوات الجوية بضرب الطلبة بالطيران؟
وقد حدث بالفعل حيث استطاعت قوة الشرطة المصرية التعامل مع مظاهرات الطلبة في ١٩٦٨ م دون الحاجة لتدخل قوات الجيش البرية، فما بالنا بقوات الطيران؟
10- هل كان الطيران قادرًا على القضاء على تجمعات الطلبة ومظاهراتهم في الشوارع والحواري؟
11- ألم يكن تدخل الطيران في حال حدوثه سيسبب غضبًا شعبيًا يطال النظام وعبد الناصر ذاته؟
10- هل كان الطيران قادرًا على القضاء على تجمعات الطلبة ومظاهراتهم في الشوارع والحواري؟
11- ألم يكن تدخل الطيران في حال حدوثه سيسبب غضبًا شعبيًا يطال النظام وعبد الناصر ذاته؟
12- هل كان سيوافق الطيارون الذين يواجهون العدو على ضرب إخوانهم الطلبة في مدارس وجامعات مصرية بالطيران، ألم يكن هذا سيسبب تمردًا من الطيارين، وهل لم يحسب عبد الناصر آثار قرار هكذا على الطيارين بل والقوات المسلحة عمومًا؟
13- هل يعقل أن يؤمر عبد الناصر بأشياء هكذا في ظل حرب الاستنزاف الشرسة، وفي ظل أعداء متربصين عسكريًّا وإعلاميًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، مع وجود الخونة المتحالفين معهم داخل البلاد؟ جمال عبد الناصر مسدس صوت هكذا يقول عليه بعضهم وهو من قاد حرب الاستنزاف أحد أهم ملاحم المواجهة مع العدو.
14- محاضر الاجتماعات الخاصة بالمظاهرات وسبل مواجهاتها منشورة ومتوفرة، وأقصى ما صرح الرئيس جمال عبد الناصر باستخدامه ضد الطلبة في حال الضرورة هو بنادق الرش وذلك في اجتماع ٢٥ نوفمبر ١٩٦٨.
15- هل كانت القوات المسلحة ستوافق على ذلك، لا سيما وهي تخوض أشرف المعارك وأنبلها وأصعبها ؟ هل كان لقوات مسلحة مثلها أن تصوب نيران طيرانها نحو أبناء شعبها؟ ألم يكن عبد الناصر يدرك هذا؟
16- الرئيس جمال عبد الناصر عاش طوال عمره مناصرًا للشباب وراعيًا لهم، فهو الذي وفر لهم التعليم الجامعي المجاني، وهو الذي عينهم في الحكومة والقطاع العام، وأنشأ لهم مراكز الشباب وقصور الثقافة والمسارح.. وحقق لهم الكثير من الإنجازات، وما كان لمثله أن يوجه نحوهم نيران بنادقه فما بالنا بنيران طيرانه.
13- هل يعقل أن يؤمر عبد الناصر بأشياء هكذا في ظل حرب الاستنزاف الشرسة، وفي ظل أعداء متربصين عسكريًّا وإعلاميًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، مع وجود الخونة المتحالفين معهم داخل البلاد؟ جمال عبد الناصر مسدس صوت هكذا يقول عليه بعضهم وهو من قاد حرب الاستنزاف أحد أهم ملاحم المواجهة مع العدو.
14- محاضر الاجتماعات الخاصة بالمظاهرات وسبل مواجهاتها منشورة ومتوفرة، وأقصى ما صرح الرئيس جمال عبد الناصر باستخدامه ضد الطلبة في حال الضرورة هو بنادق الرش وذلك في اجتماع ٢٥ نوفمبر ١٩٦٨.
15- هل كانت القوات المسلحة ستوافق على ذلك، لا سيما وهي تخوض أشرف المعارك وأنبلها وأصعبها ؟ هل كان لقوات مسلحة مثلها أن تصوب نيران طيرانها نحو أبناء شعبها؟ ألم يكن عبد الناصر يدرك هذا؟
16- الرئيس جمال عبد الناصر عاش طوال عمره مناصرًا للشباب وراعيًا لهم، فهو الذي وفر لهم التعليم الجامعي المجاني، وهو الذي عينهم في الحكومة والقطاع العام، وأنشأ لهم مراكز الشباب وقصور الثقافة والمسارح.. وحقق لهم الكثير من الإنجازات، وما كان لمثله أن يوجه نحوهم نيران بنادقه فما بالنا بنيران طيرانه.
بالنقل وبالعقل فإن كلام اللواء مصطفى الحناوي عن أمر جمال عبد الناصر بضرب الطلبة بالطيران غير منطقي وغير حقيقي، ولا يمكن إلا أن يكون صادرًا عن ذاكرة ضعيفة أو حقد قوي أو كلاهما.
ألم يأن للحاقدين أن يتوبوا عن التشويه والتشنيع؟ ألم يحن للجاهلين أن يعقلوا، ويركبوا منقيات لعقولهم؛ فتقبل ما يمكن قبوله وترفض ما وجب رفضه.
ألم يأن للحاقدين أن يتوبوا عن التشويه والتشنيع؟ ألم يحن للجاهلين أن يعقلوا، ويركبوا منقيات لعقولهم؛ فتقبل ما يمكن قبوله وترفض ما وجب رفضه.
نتمنى ان نكون قد ساعدنا في مقالنا هذا من يهتم بــك
مظاهرات الطلبة في 1968 م بعد أحكام الطيران.
أحكام الطيران.
انتفاضة الطلبة 1968 م.
اللواء مصطفى الحناوي.
جمال عبد الناصر يطلب ضرب الطلبة بالطيران في 1968 م.... ما الحقيقة؟
* المراجع:
1- مجلة روز اليوسف- العدد ٣٥٩٤ بتاريخ ٢٨ أبريل ١٩٩٧ م.
2- محاضر اجتماعات عبد الناصر- موقع مكتبة الإسكندرية.
3- الجيل الذي واجه عبد الناصر والسادات، دراسة وثائقية عن الحركة الطلابية 1968- 1977م- هشام السلاموني- مكتبة جزيرة الورد.
4- الفريق أول محمد فوزي؛ النكسة، الاستنزاف، السجن- عبد الله إمام- دار الخيال.
جمال الغريدي
قل معلوماتك وعبر عن رأيك